حتّى يغيِّروا ما بأنفسهم

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

حتّى يغيِّروا ما بأنفسهم

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2012-07-15




حتـى يغيـروا ما بأنفسـهم
 
إن دعاة الوحدة غير موفّـقين –بغض النظر عن بطلان مبادئهم– لأن أمتهم غير قائمة على أساس واحد وقيم واحدة، يقول الله -سبحانه-: ]لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ[ ]الأنفال:[63 ، ]وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ[ ]آل عمران: 103[، ]وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[ ]المؤمنون: 52[.
فإذا كان لها أرباب تعبدهم كيف تتآلف قلوب أهلها؟ هل ستؤلف الأضرحة بينهم؟ وهل تؤلف الديمقراطية بينهم أم تباعد وتشتت؟ ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[ ]الأنعام: 159[، إنهم لم يعتصموا بحبل الله جميعا حتى يتحدوا، ]نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ[ [التوبة: 67].
ويدعون أمتهم إلى الأخذ بأسباب القوة من العلم التجريبي ووسائله، وهم غير موفقين عاجلا أم آجلا، لأن لذلك جذورا ودوافع تدعو الإنسان للحركة وتدفعه باتجاه النهضة الحضارية.
كما حصل عند المسلمين والعرب بالتحديد، عندما خرجوا من طور البداوة، وشيدوا حضارة  فاقت عصرها، لأن دينهم هو الذي دعاهم، بل نهض بهم لما نهضوا به، يقول الله -تعالى-: ]إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ[ ]الرعد: 11[.
إن الصحابة لم ينشغلوا بنزاعات القبائل العربية التي أضعفتهم أمام الأمم، ولم يهتموا بغلبة فارس والروم للعرب، وتبعيتهم لهم في النقد والصناعة والقوة العسكرية وغير ذلك، كما يفعل البعض اليوم، لأنها نتيجة ولها مقدماتها، وهم لم يستبقوا الأحداث، فلا تصح نتيجة بمقدمات خاطئة، ولولا ذلك لعلّم الله العرب علوما يتحضرون بها ويتفوقون بها على الأمم، فحتى وإن كان صراع الكفار معنا من أجل الدنيا، فنحن نواجههم في سبيل الدين، لأن الدنيا وسيلة والدين غاية.
بل اشتغلوا بدعوة التوحيد التي دفعتهم إلى التحرر من سيطرة الفرس والروم والغلبة عليهم من بعد، لا أقول: عسكريا فحسب، ولكن كحضارة شاملة.
ولم يكن المسلمون بحاجة إلى قوة كقوة فارس والروم للظهور عليهم، وما كان للعرب أن ينافسوا الفرس والروم في القوة لولا الدين، وليس بإمكان هذه الأمة اليوم أن تنافس الغرب ماديا لأنها لا تملك المؤهلات لذلك، وهذا ليس تثبيطا للعزائم، وإنما لأن لها ما تنافسهم فيه ولكنها تركته، ويوم تحل هذه المعادلة ستنهض، إنها تملك المؤهلات لصناعة الإنسان الذي حطمته جاهلية الغرب، وإن لم تملك صناعة الوسائل المادية التي يستعملها.
ونظرًا لإفلاس نظريات الغربيين التي حاولوا بها تفسير الحياة واتضاح فسادها، حيث تبين لهم أنها لم تكن سوى تخاريف وخزعبلات لم تسلم يوما من الهوى، وإن ألبست لبوس العلم، لكنها لا تقل جهالة عن خزعبلات الكنيسة، لكل ذلك قالوا: المهم تغيير العالم لا تفسيره، والواقع أنه لا يداوي المرض إلا من يشخصه تشخيصا صحيحا، والتغيير السليم لا يكون إلا بعد تفسير سليم، وهذه الأمة وإن لم تملك لحد الآن وسائل تغيير العالم فإنها تملك بين ظهرانيها تفسيره، حتى وإن غفلت عن هذا التفسير.
كالعيس في البيداء يقتلها الضما     والماء فوق ظهورها محمول
حتى ولو فرضنا عبثا أنهم سيتّحدون ويتقوّون اتباعا لفهمهم السطحي فإن ذلك لا يخرجهم من جاهليتهم، بل سيزدادون كفرا إلى كفرهم، إذا لم يكن الدين هو المحرك والدافع والغاية.
يقول الله –عز وجل-: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ ]النور: 55[، فقد وعد المؤمنين المصلحين في الأرض بالإستخلاف، حتى يشكروه على فضله، فإن عادوا إلى الكفر رفع عنهم وعده، وهذا الذي حصل .
وهم يعرفون من تجاربهم أنه بغير التمسك -ولو قليلا- بشرائع الدين وأخلاقه لم يتغلبوا على أية معضلة ألمّت بهم، حتى وإن لم يكن ذلك التمسك الجزئي دليلا على إسلامهم، فنراهم يرجعون إلى الله عند كل هزيمة ونكبة، وهم على يقين بأنها ما وقعت إلا ببعدهم عنه، دون معرفة حقيقة الرجوع إلى الله.
إن هؤلاء الذين يعيشون تحت وطأة الهزيمة الحضارية لأمتهم يدعونها إلى الوحدة وإعادة الخلافة، ويرون فيها غاية الدين وأمل الأمة، كأن مبادئها قائمة بالفعل، لأنهم يريدون من الإسلام أن يبني حضارتهم التي هي غايتهم، ويتجاوزونه إلى قطف تلك الثمرة المنشودة مستعجلين، فاتباعهم لدين الله بقدر ما يرون أنه يحقق لهم هذه الغاية.
فيستعملون دين الله كعامل مساعد، وإن كان دون قصد منهم، عوض أن يكون هو الأصل، بحيث تكون الحضارة خادمة له لا العكس، فوضعوا الوسائل في مكان الغاية، والغاية في مكان الوسائل، فالسؤال المطروح على الناس هو: كيف نقوي بلادنا؟ لا: كيف نعود إلى دين الله؟
ويعتبرون إعادة تأسيس أمتهم على الإسلام تحطيما لما بنوه، ولكيانها القائم على الإسلام في نظرهم، ولذا تجب المحافظة عليه لا تحقيقه بزعمهم، ولهذا فلن يفلحوا أبدا ما داموا يتخطّون الإسلام هكذا، حتى نسمي الأشياء بأسمائها، أليس هذا التفافاً حول الإسلام وعقوقا له؟
يجب أن ندعوا إلى الإسلام أولا والدخول فيه ابتداء، حتى تقوم هذه الأمة المسلمة المنشودة، لأن أي طريق آخر غير مجدٍ بالتجارب التي مرت علينا، والشرع ينطق بذلك قبل التجارب، فالإتحاد والقوة لا تكون على حساب شرع الله.
لقد كان لوخزة الإحتلال الغربي السبب الأكبر ليقظتهم، فلما أفاقوا من سكرتهم سُقط في أيديهم، وعلموا أنهم قد هانوا وذلوا، وأرادوا مراجعة أنفسهم، وأخذوا يبحثون عن مكمن الداء ليعالجوه فأخطأوه، واستعصى عليهم العلاج، لأنهم لم يصفوا له الدواء الذي وصفه الله –عز وجل- للناس يوم عراهم ذلك الداء الذي عراهم اليوم.
لكنهم لم يحسنوا تشخيص الداء فضلا عن أن يحسنوا علاجه، فلم يشخصوه كما شخصه الله     -تبارك وتعالى- وفصل أعراضه وأسبابه، ولذلك فأجدر بهم أن لا يداووه على كثرتهم وكثرة أدويتهم.
ونحن لم نترك هذه الدعوات لانكسارها، بل لأنها باطلة في دين الله، سواء مكّن لها أو لم يمكن لها، فلم نتركها لأن أبواب نجاحها مسدودة، بل نتبع دين الله ومنهجه وإن كانت السبيل إلى التمكين أكثر انسدادا كما تقرره عقولنا، رغم أن دعوات الأنبياء أثبتت أنها الطريقة الأقصر لبلوغ الهدف، فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم الوحيد.      
وقبل كل شيء لا حل لنا غير ذلك، فليس في وسعنا أن نتجاوز الإسلام، ولا في مقدورنا ترك الدعوة إلى التوحيد، فلسنا في حِل من ذلك، ولا يسعنا الإجتهاد في الأمر، لأن الله كما شرع لنا دينا فقد خط لنا أيضا الخط الذي ننتهجه للدعوة إليه.
إن ما يجب أن يحدث هو ثورة على الجهل الذي غشي التوحيد، وتسبب في الشرك بالله، فالناس بحاجة إلى من يكشف لهم حقيقة دينهم ويعري كفرهم، حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، ليكون التوحيد مناط الإجتماع والإختلاف بين الناس، ولكن ]كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ[ ]الشورى: 13[.
ومن قبل ضاعت دعوات الأفغاني والسلطان عبد الحميد، وذهبت أدراج الرياح، هي والتي جاءت من بعدها، لأنها تجري خلف السراب، فالأمة المسلمة أو الإسلامية غير متمثلة في هذه الأمة القائمة اليوم.
إنها تحتاج إلى إعادة تشكيل من جديد، وإلى إعادة بناء أخرى على أنقاض هذه الأمة القائمة، إن الناس الذين يتسمون بالمسلمين اليوم بحاجة إلى أسلمة، وبعدها ستكون الوحدة والقوة والحضارة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب: (أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية) [رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي والنسائي وابن جرير]، كنتيجة لا كغاية.
إنهم يتحسرون على افتراق أمتهم وهوانها وضعفها أمام الأمم، ويتغافلون عن كفرها، غيرة على أمتهم لا غيرة على الإسلام في الحقيقة، ولذلك يقدمون الوحدة على التوحيد، مع اتباع سطحي نسبي لدين الله، فيريدون الدين الذي يلم الشمل، ويخافون تفرقة الشمل إذا تحروا الدين الحق، وهذا مخالف لدعوة أنبياء الله، قال الله -سبحانه-: ]فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ[ ]الصف: 14[.
إن صلاح الأمة لا يقوم إلا بصلاح أفرادها، فهو السبيل الوحيد لصلاحها، لا نخالف الشرع لإصلاح الأمة ولمّ شملها وجمع شعثها، فما بني على فاسد فهو فاسد، ومن أراد أن يقيم أمة الإسلام خارج الضوابط والحدود التي شرعها الله فإنما هو كمن يمخض الماء.
ومن المفاهيم السطحية رأينا حرب الأمم الأخرى للخلافة العثمانية وحتى للوحدة العربية القومية وللغة العربية وكذلك للحكم بالشريعة وحجاب المرأة وغيرها، للإجهاز على ما تبقى من الدين عندها، وقطع طريق العودة الصحيحة إليه، فتأخذ هؤلاء الحمية على ذلك ويدعون إليها، ويدافعون عنها بحماس فياض دفاع المنسحب المتقهقر، لأنهم يظنون أنها تحفظ لأمتهم دينها.
وهي معركة خاطئة، لا لكونها خاسرة، ولكن لأن الإسلام بعيد عن هذا الصراع، وإنما هو صراع بين أمتين من أجل البقاء أو السيطرة أو الحفاظ على التقاليد أو غير ذلك، شأنه شأن أي صراع آخر بين الأمم غير المسلمة، ما دامت حقيقة الإسلام غائبة عن هذا الصراع.
ومن عادة الجاهلية أنها تضع أمام الناس خيارات عدة، ليس من بينها خيار مشروع في دين الله، فكلها تسبح في إطارها، ثم تضغط على الناس لاتباع أحدها، فيذهب البعض إلى الأخذ بالإضطرار أو أخف الضررين هوىً لا شرعا، وهذا الذي يوقعهم في الكفر.
والمسلم يعلم أن هناك دائما خيارا آخر، وان كانت مائة فهناك الواحد بعد المائة الذي تحجبه ظلمات الجاهلية، وتضع دونه العراقيل والعوائق.
أضف رد جديد