حصر الحكم بما أنزل الله في زمـن النبوّة

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

حصر الحكم بما أنزل الله في زمـن النبوّة

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2011-12-29




حصـر الحكم بما أنزل الله في زمـن النبوّة
 
إنهم يدّعون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان رمزا أخلاقيا لا سياسيا، كما كذبوا على عيسى عليه الصلاة والسلام، وجرّدوا دينه من الشرائع.
وكل مسلم يعلم أنه يجب عليه التأسي بنبيه في كل مجال، ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[ ]الأحزاب: 21[، وأنّ الله أمرنا بصلة الرحم والإحسان والرحمة، كما أمرنا ببغض أعدائه والبراءة منهم ومن دينهم وجهادهم، وأن الجهاد والهجرة باقيان إلى قيام الساعة.
قال الله -تبارك وتعالى-: ]مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[    ]الفتح: 29[، وقال -عزّ وجلّ- أيضا: ]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[ ]الممتحنة: 4[.
وتمضي الآيات مبينة وجوب الإقتداء بالنبي وإخوانه من الأنبياء، ومفصلة شرائع الله الأسرية وشرائعه السياسية في الولاء والبراء بين الناس وبين الجماعات، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، فهي لا تخفى على مسلم، أما هؤلاء المشركون بالله في حكمه فلا يهوون إلا التشغيب، ولا يطالبون بأدلة.
ثم نجدهم يناقضون قولهم السابق فيسلّمون للنبي –صلى الله عليه وسلم– بالحكم دون غيره، محتجين بقول الله -تعالى-: ]إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ[ ]النساء: 105[، قالوا أن رسول الله وحده الذي يحكم بما يوحى إليه.
مع العلم أنه لم يكن يحكم بما يطلعه الله عليه من الغيب، بل على الظاهر من المعطيات، كما ثبت في الحديث: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) ]رواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه[ .
واحتجوا بقول الله -عز وجل-: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا[ ]النساء: 65[، على أنه خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، فليس كل من لم يخضع لغيره ويسلّم فهو كافر، وهذا يؤدي إلى تقديس الحكام.
والحقيقة أن الآية وردت فيمن أعرض عن حكم الله عن طريق النبي، لا فيمن ترك حكم النبي كشخص، ولو كان الأمر خاصا بالنبي –صلى الله عليه وسلم– كشخص لما رضي بحكم سعد بن معاذ، أو لأحل لغيره الإحتكام إلى غير شرع الله في غيابه.
وأقوالهم هذه تخالف ما اشتملت عليه النصوص الكثيرة من وجوب التحاكم إلى شرع الله والحكم به من طرف الناس جميعا، ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[ ]المائدة: 38[، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى[ ]البقرة: 178[، وغيرها كثير، كلها خطابات للمسلمين لا للنبي وحده، وحتى ما أمر الله به نبيه –صلى الله عليه وسلم– لم يفهم الصحابة أنه أمر له وحده، كقوله -تعالى-: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ[ ]الأحزاب: 1[.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال   –تعالى-: ]يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[، وقال –تعالى-: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[ ]رواه مسلم[ .
ثم نجدهم يضيفون إسم عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، على أنه كان ملهما وأخلاقه أشبهت أخلاق الأنبياء، أما غيره فلا يمكن أن تلتقي في حكمه أخلاق السياسة مع أخلاق دين الله، ومن ثَمّ فحكم الله غير ممكن الإتباع، وأنه مؤقت بزمن النبوة، وغير صالح لأي زمن آخر، وهذا كفر أغلظ من كفر إبطال الزكاة فقط بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والإدّعاء بأنّها خاصة بزمنه فقط، ولو صح قولهم لما بقيت ضرورة تستدعي ترتيل كل تلك النصوص وحفظها مادام هذا الدين جدًّا غير هزل.
يقولون أن الخلفاء قد خلفوا النبي -صلى الله عليه وسلم– في الزمان والترتيب فقط لا في الحكم، لأنهم ليسوا أنبياء، رغم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (إسمعوا وأطيعوا وإن تأمّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله) ]رواه البخاري[، فكتاب الله تقاد به الأمة وتساس به، وقيادة الأمة وسياستها ليست أخلاقا أو شعائر أو فصلا في الخصومات فحسب.
والأصل في القانون الدوام لا التوقيت، فليس هناك حد زماني أو مكاني أو خط أحمر أمام قول الله –تبارك وتعالى-: ] ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ ]الممتحنة: 10[
وقد اختلف الصحابة عند وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم– في الشخص المؤهل لقيادة الأمة، ولم يختلفوا حول المبادئ والشرائع التي تسيّر الدولة والمجتمع، وقد جاء في الحديث أن الخلافة الراشدة الأولى تكون على منهاج النبوة، وأن الخلافة الراشدة الثانية التي لم تأت بعد تكون على منهاج الأولى.
وأحيانا يحاولون التنصل من شرع الله بسبب النزول حتى يحصروه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كأنهم يودون ألا يكون لتلك النصوص سبب وقع وأدى إلى التشريع، ونحن نعلم أن التيمم هناك سبب لنزوله، فهل يقال أنّه مؤقت بزمنه؟! فحتى بعض العقائد الفرعية والشعائر والأخلاق لها سبب نزول، وحتى شرائعهم العوجاء لها أسباب أدت إلى وضعها، فلمَ لا تقتصر عليها؟! 
وقالوا بأن آية ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ]المائدة: 44[ وردت في اليهود، فاليهود وحدهم إن حكموا بشرع غير شرعهم فإنهم يكفرون، وأن اعتبار الإسلام كذلك تشبه باليهودية.
وكأن منزل هذه الكتب ليس بواحد، وكأن التوحيد يختلف بين الرسالتين، والله يقول: ]شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى[ ]الشورى: 13[، ]لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا[ ]المائدة: 48[ فالشرائع تختلف، وكلها مما أنزل الله، والتوحيد وما يضاده واحد في كل رسالة، وهذه الأمور ظاهرة عند المسلمين، لكن لغياب عقيدة التوحيد صارت من المتشابهات.
ونجد العلمانيين يستعملون كلمة "الدين" عوضا عن "الإسلام" للتسوية بين الأديان التي فيها شعائر واعتقاد بالغيب، على أن الإسلام ليس إلا واحدًا منها، وللإشعار بأن مذاهبهم العلمانية ليست أديانا، وللفصل بين الدين والدنيا، وأن الدين لا يتحكم فيها، وإنما علاقته بالآخرة فحسب، ولإشعار الناس بأن "السلطة الدينية" هي السلطة الثيوقراطية المتألهة، وهذا لأنهم يعتقدون أن الحكم بشرع الله يؤدي بالضرورة إلى تقديس الحكام.
فيصير الذين يدعون لإخراج عباد الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد في نظر الناس دعاة لتقديس أنفسهم، وهذا الذي يتخوف الناس منه، فنقول لهم: اتبعوا دين الله ونحن لكم خدم.
وإذا سلمتم للنبي –صلى الله عليه وسلم- ولعمر بن الخطاب بالحكم بشرع الله أفلا يعني هذا أن المسلمين قد عبدوهما وفق هذا المنطق السقيم؟!
بينما أنتم تؤمنون بالثيوقراطية إذ تقولون أن إرادة الشعب من إرادة الله، أي أن ما حكم به الشعب فهو حكم الله، وتعبّدون الناس لنظريات الفلاسفة وعلماء الإجتماع والنفس والقانون في تفسير قوانين الحياة وفق أهوائهم وعقولهم القاصرة عن ذلك، فالناس يعبدون بعضهم بعضا، بينما المسلم هو وحده الذي قد تحرر من عبادة العباد، وهو الوحيد من دون الناس الذي يمكنه أن يرفع صوته قائلا :أنا حر.
منقول
 
أضف رد جديد