الاحتمــاء بالعلمانيــة

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

الاحتمــاء بالعلمانيــة

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2012-01-14



الاحتمـاء بالعلمـانية
 
واحتجوا بأن الدعوة إلى نبذ كفر العلمانية يثير ضدهم ما لا قِبَل لهم به، ولذلك فالعلمانية تعينهم وتفسح لهم المجال للدعوة في إطارها، وهذا ليس بإسلام، فقالوا -فرحين بالحيز الضيق الذي فتحته لهم العلمانية-: ماذا قدمتم أنتم للإسلام؟
وحتى النصرانية تستفيد من حرب العلمانية للإسلام، لوقوفه ضدها حتى صار مطاردا، إذ أن النصرانية تنشط في حرية، لمّا استسلمت للعلمانية ورضيت بحدودها المرسومة، وكذلك يفعل هؤلاء باسم الإسلام.
إنهم يفهمون الإسلام فهما رديئا يثير السخرية والإشمئزاز، ويظهر بأنه دين ذليل لا يكاد يملك من أمرهم شيئا، فنرى -مثلا- المفتين يُستفتون في النزاعات الإجتماعية في محاكم الطاغوت فيدعون للتسامح والعدل والإيثار، ويتغاضون عن حكم الإحتكام والخضوع لشرع الطاغوت، فهناك شبه إجماع وما يشبه المؤامرة على تناسي هذا الكفر.
وبما أن العلمانية تتدخل حتى في الحياة الخاصة للفرد، فتعمل على ثنيه عن معتقداته الإسلامية، وترك شعائره، والتخلي عن أخلاقه، كلما تمكنت من السيطرة على المجتمعات، فإن هؤلاء الدعاة يستنكرون ذلك، ويقولون: لماذا لا يتركوننا نعبد الله في حرية كما تقره المبادئ العلمانية؟!
وهذا لا يشبه -بأي وجه- دعوة الأنبياء أقوامهم إلى ترك المسلمين يعبدون الله في حرية، لأن الإسلام يواجه هذه العلمانية نفسها، ولا يعبد المسلم الله بالشعائر والمعتقدات القلبية فقط، مقراً بالعلمانية كإطار عام، ومنطلقا منها للدفاع عن حق الإسلام في الوجود.
جاء في جريدة "العربي" (العدد: 13) ما يلي: (هدد الداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي برفع دعوى قضائية في حالة قيام فرنسا بمنع الحجاب في المدارس والجهات الحكومية، مؤكدا أن إجراء من هذا النوع يمكن أن يغذي التطرف، وقال القرضاوي أنه لو وضع هذا القانون فسنطالب برفع دعوى قضائية لأنه يتنافى مع الدستور الفرنسي).
هكذا يفسر هؤلاء لأمتهم دين الله، أو هكذا يفسرون الدين الذي تعودت عليه على أنه دين الله الذي نزل به الكتاب، وانظر كيف يروّضونها على الكفر جهلا أو تعمدا.
يعلّمون الناس أن دين الله حريص على لباس المرأة الشرعي أكثر من حرصه على توحيد الإحتكام إليه دون غيره، يحفظون الفرع ويهدمون الأصل، فترتدي المرأة الحجاب لتغدو إلى القضاء الفرنسي فتكون محامية أو قاضية أو مشرعة خلاف شرع الله في البرلمان أو غيره! فهل يغني اللباس المشروع مع الإحتكام إلى الطاغوت؟
وهل كان هذا هو تصرف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إذا اعترض سبيلهم الكفار، أم هو الثبات على دين الله والصبر على مضض الألم؟ يقول الله –عز وجل-: ]الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ[ ]المائدة: 3[.
سيقولون: سوف يأكلنا الكفار لأنه لا حماية لنا من الأنظمة العلمانية، فنقول لهم: أي نظام للحماية كان يتمتع به المسلمون وأنبياؤهم؟ إلا ما كان من الله ثم من قوتهم أو عشائرهم مع احتفاظهم بمبادئهم، أما أنتم فتغيرون المبادئ حتى تكون ملائمة للكفر ومحمية، فإما أن تسلموا كما أسلم هؤلاء الأنبياء وتدعوا بدعوتهم، وإما أن تتنحوا جانبا.
لم يكن الأنبياء يدعون أتباعهم لتقلد مناصب الدولة الكافرة، التي يقومون فيها بما هو كفر في دين الله، من أجل حفظ مصالح المسلمين من موقع قوة، كما يفعل اليهود وغيرهم بسبب رضاهم بالعلمانية أو لاتباعهم عقيدة التقية، ولم يأمروهم بالإندماج في المجتمع الجاهلي دون تحرز من الكفر، وكأن الإسلام ليس إلا اعتقادا في القلب وصلوات تؤدى.
وهكذا ظن الناس أن كتاب الله يرتل ولا يحتكم إليه، ويظنون أن تركه وفصله مبدئيا عن شؤون حياتهم الإجتماعية والسياسية وغيرها لا ينقض الإسلام، وأن اتباع شرائع الطاغوت المخالفة له لا يخالف كلمة "لا إله إلا الله" التي نطقوا بها.
ولذلك ينظر أقوام اليوم إلى المشرع خلاف شرع الله والقاضي به ومنفذه عموما والمحتكم إليه على أنهم ظلمة أكلوا حقوق الناس، وفساق يحلقون لحاهم ويتشبهون بالكفار في لباسهم، فيُنصحون في ذلك دون أي ذكر للكفر.
وصرنا نسمع –مثلا– عن هيئة المحامين المسلمين الأمريكيين، وعن مصليات في الثكنات الأمريكية، وهذا قاض في المحكمة الدولية إسمه محمد، لقد صار الأمر عاديًا غير اضطراري، بل هو أصل لا يعرفون غيره، وليس علماؤهم السبب –وإن كانوا جزءا من المشكلة– بل وجدوا الأمر كذلك فأحلوه.
إن الناس الذين يتسمون بالمسلمين في الغرب أو في هذه البلاد يحرصون على اتباع مفاهيم الدولة ومبادئ المجتمع العلمانية، وهو ازدواجية في الإنتماء، وهذا على حساب إيمانهم بمبادئ الإسلام، ويرون أن ذلك غير مخالف للتوحيد، رغم أن بعض علمائهم يعتذرون بأنه اضطرار فقط، لكنه صار أصلا وعادة وقاعدة يؤمنون بها ابتداء ويجهلون خلافها، وإن عرفوه أنكروه، فمن حقهم أن يتخذوا الأسباب والوسائل المادية والمعنوية لحماية أنفسهم، لكن ليس من حقهم أن يكيفوا الإسلام عقيدة وشريعة حسب واقعهم الشاذ.
لذلك يدرجونه في إطار الإكراه، لكنهم في الواقع يبيحونه مبدئيا، لا في حالة الإكراه فقط، واعتبروا الإحتكام إلى الله وحده مسألة تتعلق بالحكام لا بالمحتكمين أيضا.
وقد قال الله –عز وجل– عن فرعون وقومه: ]فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ[ ]الزخرف: 54[، ولم يعذرهم بسطوة فرعون لأنهم راضون فعلا بكفره، ولا بد أن قومه كانوا يكرهون ظلمه، لكنهم اتبعوه في الكفر، وقد قال: ]أَنَا رَبُّكُمُ الأََعْلَى[ ]النازعات: 24[.
واليوم يحتكمون إلى الشعب في قضاياهم، ويستفتونه في اختيار المشرّعين وفي الدساتير التي يضعونها، والشعب يرضى ويسلّم، فالناس إذا أنكروا على الحكام أنكروا الظلم لا الكفر في أكثر الأحيان.
إن الذين يتبعون هذه المذاهب والشرائع الجاهلية المعاصرة عن رضى وجهل بحكمها في الإسلام يجب أن نحكم على رضاهم وجهلهم، لا على أنهم مكرهون، لأنهم لا يعلمون غير ذلك، فالمكره هو من يفعل الشيء مرغما عليه كارها له، أما هؤلاء فيتبعونها مختارين راضين.
ودعاتهم لا يبينون هذا الأمر للناس حتى يدخلوا في الإسلام ويكفروا بالطاغوت، وإن لم يأمروا به لم ينهوا عنه، فيعتبرونهم مسلمين رغم عدم تحقيقهم لهذا الركن، ثم يقولون أن الناس مكرهون كذبا.
ولو سألنا الحكام لقالوا: أُكرِهنا من طرف بعض القوى في المجتمع، ومثل هذا احتجاجهم بأن الحكام مكرهون من طرف الدول العظمى، وكأن الحكام لم ينقصهم إلا رفع السيطرة الأجنبية عليهم حتى يتبعوا دين الله ويكفروا بهذه المذاهب الغربية، ولو أنهم أكرهوا حقا لتركوا الحكم لمن لا يخشى الإكراه، لا أن يحاربوه مع الأجانب ويدعونهم لحربه، ولو كانوا مكرهين لما حاربوا لفرضها هذه الحرب الشعواء، ولما وضعوا الخطط والبرامج لتربية الأجيال عليها.
فهذا الإكراه لا يؤدي أبدا إلى دعوتكم لها واعتقادكم فيها، فالإعتقاد لم يكن في يوم من الأيام نسبيا مؤقتا ظرفيا، ولو نظر الأنبياء وأتباعهم إلى الضغوط الخارجية لما أقاموا دولة الإسلام ولما كانوا مسلمين استجابة لضغوط الكفار.
إن الأمة المسلمة حاملة دعوة، وحكامها هم أئمة هذه الدعوة، يمثلون الأمة ودعوتها، والدعوة لا تجعل التقية وسيلة من وسائل التبليغ، وإنما يجب أن تكون الدعوة صريحة واضحة كدعوة سائر الأنبياء، أما تحريف الإسلام أثناء البلاغ بحجة الإكراه فلا دليل على جوازه، ولا يكون عذراً شرعيا إلا بنص، فإن لم يجزه النص بقي على أصله وهو الكفر، وأبعد من هذا عن العذر من يحتج بالإكراه على الدعوة إلى الكفر وتربية الأجيال عليه وفرضه على الشعوب.
ولو كان إكراه الحكام على الدعوة إلى الكفر عذراً لما كان للإسلام أن يقوم حتى في المستقبل، لأننا مطالبون كأمة بالعمل للتمكين لدين الله وإظهاره على الدين كله، وهذا لا إكراه فيه، وإن كان إكراه الأفراد -حكاما ومحكومين- في تصرفاتهم الخاصة عذراً مشروعا، لكن القوم يريدون إقامة دولة الإسلام في إطار العلمانية وما تسمح به، ولو فرضت عليهم الدول الكبرى النصرانية وأن يدعوا إليها شعوبهم لما عذروا أنفسهم ولقاوموها ربما، أما الفصل بين الإسلام والدولة والإحتكام إلى الشعب وغيرها من الكفريات فيقبلونها لأنهم يؤمنون بها.
ولنتبين أكثر بطلان احتجاجهم بالإكراه نلاحظ أنهم لا يتذرعون به إلا إذا أسكتتهم الأدلة، ولم يجدوا شبهة يتعلقون بها، أي أنهم يستدلون على كفرهم لإيمانهم به، فإن أعوزتم الأدلة تذرعوا بالإكراه، كما فعلت قريش، ]وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا[ ]القصص: 57[، فهم يستدلون بالإكراه مراوغة قبل التسليم بأن فعلهم كفر بالله.
والمسلم المكره على الكفر لا يحتج أبداً على ما أكره عليه من الكفر لتصحيحه، بل يعتقد بطلانه، ولو تركت له حرية الإختيار لما تردد لحظة في تركه، بل يسعى بما قدر الله له من جهد للتحرر من حالة الإكراه، فأبسط شروط الإكراه لا تنطبق على هؤلاء، ومن لا تتحقق فيه رخصة الله فليس من أهلها.
قد يقول البعض بأن الشكوى إلى الكفار والإستعانة بهم جائزة، لكنهم في مرافعاتهم وسيرتهم عموما يدافعون عن قانون الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به، وفي المسائل المخالفة لشرع الله، بل لأصل الإسلام، كالإحتماء بالعلمانية، ويدعون أهلها إلى التقيد بها إذا رأوها في صالحهم، ويحتجون بها عليهم، ويطعنون في دستورية بعض القوانين الفرعية، ويدعون إلى إصلاحها على ضوء الدستور، كأكثر أهلها تشبثاً بها وخضوعاً لها.
ولرضاهم بدين العلمانية يشتكون لدى النصارى والملحدين من سب بعضهم للإسلام ويطالبونهم بالإعتذار.
جاء في جريدة "العربي" (العدد: 21) ما يلي: (قام رئيس اتحاد مسلمي إيطاليا عادل سميث برفع دعوى قضائية ضد بابا الفاتيكان جون بول الثاني أمس يتهمه فيها بانتهاك الدستور الإيطالي وإساءته للإسلام...وقال عادل سميث: إن البابا ومسؤولين آخرين بالفاتيكان انتهكوا الدستور الإيطالي الذي يؤكد على علمانية إيطاليا وتساوي الأديان تحت القانون، عندما  وصفوا أتباع الديانات  والطوائف الأخرى غير الكاثوليكية بأنهم في نقص شديد).
على أنه لابد أن تعيش هذه الأديان في سلام في كنف العلمانية التي يؤمنون بها جميعا، فلا ينتقد المسلمون دين النصارى أيضاً، وتسمح الدول المسماة بالإسلامية بتنصير من تسميهم بالمسلمين، وهذا من الفتنة عن الدين التي يسعى دين الله للقضاء عليها، وفي قوانينهم عقوبة ازدراء الأديان كازدراء الأعراق، بينما دين الله يستنكر أديان الكفر، لكنه يؤاخي بين الأعراق.
وفي المستقبل القريب سيعلّمون أبناءهم النصرانية واليهودية، كما يعلّم النصارى أبناءهم بعض مبادئ الإسلام، لاعتقادهم بأنها جميعا من التراث الإنساني، بينما الواجب أن تتعاون الإنسانية وتتكامل في المادة لا في الروح، وفي العلوم التجريبية لا في المبادئ والثقافات، لأن الحق لا يتعدد ولا يتحالف مع الباطل.
ومن حق النصارى أن يستنكروا انتقاد المسلمين لدينهم ويكون استنكارهم مقبولا قانونا، فالقانون لا يرى إبطال دين الكفار، ولا يعتبرهم كفارا، وأحيانا يقوم بعض النصارى والملحدين بإهانة بعض شعائر الدين والإستهزاء بها، فيستنكر هؤلاء، ثم يعتذر لهم الملحدون عن ذلك الإستهزاء. 
وهكذا يتعاهدون على عدم الإنكار على بعضهم البعض، ويدعون للحوار بمعنى التقارب والتسامح في العقيدة، ويتفقون على نبذ ما يسمونه بالكراهية والتعصب الديني، وهكذا تمحى عقيدة التوحيد وتطمس آثارها، بل يتجاوزون ذلك إلى الدعوة لإيجاد ضوابط عالمية أخلاقية وقضائية لمنع تهجم الأديان بعضها على بعض، واحترام الرموز الدينية، يسابقون اليهود والنصارى إلى الكفر.
بينما الواجب شرعا أن نترفع عن السب والإستهزاء ونعرض عنه، لقول الله -تعالى-: ]وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا[ [الفرقان: 63]، وإن كان المسلمون ظاهرين على الكفار منعوهم منه بالقوة، وإن كان اعتراضا علميا ومحاولة لإبطال دين الله رددنا عليه علميا لإبطال دينهم لا لاحترامه، وهذا الحوار العلمي هو ما نريده، لا نعرض عنه ولا نغيره بالقوة.

منقول
أضف رد جديد