في خضم التغييرات على الأنظمة في تونس

مخصص للحوارات ومناقشة الشبهات والعقائد المنحرفة
أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

في خضم التغييرات على الأنظمة في تونس

مشاركة بواسطة الناسخ »

التونسي
15 3 2011



في خضم التغييرات على الأنظمة في تونس




بسم الله الرحمن الرحيم

نحن بين أمرين في ضل التغييرات في مفاهيم الدولة ، و اندثار بعض الحجج التي كنا نعتمدها في عهد النظام السابق ، نعيش مرحلة بناء دولة جديدة يؤسسون لها دستور جديد على صفحات عذراء فاحترنا بين خيارين ،

الخيار الأول

نحن نؤمن بأن مشاركة هذه الأنظمة في العمل السياسي هو كفر (خاصة لما كان الطواغيت هم من يحددون لنا من سنختار ليمثلنا في قيادة الأمة ) لأنها لا تعمل بشرع الله بل هي تحارب ديننا و تدعوا لتفشي الرذيلة بين المسلميين و هذا أمر كان لا اختلاف فيه بالكتاب و السنّة و من كان يرى عكس ذلك فقد زاغ عن كتاب الله و نسال الله الثبات على دينه

الخيار الثاني ،
و يتطلب تمعن و بحث و استفتاء و استخارة و اجماع يكاد أن يكون كلّيا عليه

- أن ندعّم الحركة الاسلامية - حركة النهضة للأسباب التالية :
1- تدعي أنها حركة دينية تريد اقامة شرع الله – نحاسبها على أقوالها بالكتاب و السنّة
2- كي لا نترك الساحة لأعداء الأمة فيحلّون لنا ما حرّم الله و يحرمون ما أحله الله -
3- كي لا ينفرد بها العلمانيون و ينتصرون عليها فنصبح بالتالي نعيش تحت قوانين علمانية لائيكية فنمنع من خدمة ديننا في العلن و نعود للبناء من نقطة الصفر
4- محاولة التغيير من داخل الحركة اذا عملنا على دعوة عناصرها و اصلاح ما فسد في معتقدهم و هذا يتطلب منا الصبر و عدم التخاذل و الثبات على المبدأ
5- السعي لخلق اللحمة بين المسلميين كي نزداد قوة و نكون ذات الشوكة
6- العمل في ضل نظام – اسلامي- يساعدنا على الدعوة
7- الاسلام اليوم يلقى هجوم شرس من طرف أعدائه و قد توحدوا اليوم كي يفتنوننا عن ديننا فعلينا توحيد صفوفنا و أن نعتصم بحبل الله جميعا و لا نتفرق و نركز على الدعوة فيما بيننا

فوالله لقد غمّت علينا الأمور و صرنا نخشى أن نتبع سبيل يغضب ربنا ، فان اتبعنا الخيار الأول فنخشى أن نكون قد قصرنا في ديننا و نكون مذنبيين في حق الأمة و من سيأتون من بعدنا ، و ان اخترنا الخيار الثاني فنخشى أن نكون قد والينا من يستهين بشرع الله و يتهاون في بعض احكام الله بدعوى السياسة تقتضي ذلك

نسال الله أن يوفقنا و ان يهدنا سبلنا و الله ولي التوفيق





ـــــــــــــــــ
أحمد إبراهيم
17 3 2011

السلام عليكم
هذه كلمة بخصوص هذا الموضوع أنقلها عن أحد الإخوة:
الإصلاح الذي تعلمناه عمن أمرنا الله بالتأسي بهم ليس في برنامجه الدخول في الحركات والدعوات المخلّة بعقيدة التوحيد، بهدف إصلاحه من الداخل، وإلا لجازت المشاركة مع النظام الحاكم نفسه لإصلاحه من الداخل، ولجاز الدخول في الديانة النصرانية والإرتقاء في الدرجات الكنسية لإصلاحها، والكفر ملة واحدة، وكل ما ليس توحيدا لله سبحانه وتعالى فهو إشراك به.

والإعتصام بحبل الله الذي دعانا الله إليه هو اجتناب الطاغوت، وليس مجرد شعار للوحدة والإتحاد مع الكفر، فإن الله لا يرضى لعباده الكفر.

أصحاب خيار المشاركة في الديمقراطية لا يتهاونون في بعض أحكام دين الله فقط، فالقضية ليست قضية قص اللحية أو مصافحة النساء فقط، بل يتهاونون ويُسقِطون عقيدة التوحيد كلها من حساباتهم بدعوى السياسة والمصلحة، وقد يحافظون على مقاصد الشريعة كلها باستثناء الدين، ويخلّون بأبسط أبجدياته وأعظمها وهو اجتناب الطاغوت.
حتى لا يضحك علينا خصوم هذا الدين يجب أن نحدد نحن خياراتنا النابعة من ديننا الذي يوجهنا، لا من طرف قوى الجاهلية، وهذا لأن:
ـ معارضة المسلم للجاهلية لا تنحصر في معارضة الحكام والإصطفاف إلى جانب الشعب، بل يعارض كل كفر أيا كان مصدره.
ـ ومعارضة المسلم للجاهلية لا تنحصر في حدود الديمقراطية والدساتير التي يشرعونها لحصر المعارضة في صورة هزلية من الصراخ والشتم للتنفيس دون تغيير جذري حقيقي.
الذي يقول(نحن نؤمن بأن مشاركة هذه الأنظمة في العمل السياسي كفر) ينقض كلامه هذا باعتباره حركة النهضة حركة إسلامية وأن برنامجها يؤدي إلى نظام إسلامي.
وكل مَن خبرَ حال هذه الحركات كما في السودان وغزة وتركيا وأفغانستان، أو تلك التي لم تصل إلى الحكم، يعلم أنها حركات علمانية تشرك بالله بإعطاء الحكم لغير الله سواء كان الشعب أو ممثليه، وكل ما تفعله هو التخفيف بعض الشيء من غلواء العلمانية وتطرفها في تجريد الفرد عن الأخلاق الإسلامية، أما جوهر الكفر فهو واحد، وعداؤها لدين التوحيد واحد باسم محاربة الخوارج، فغاية ما تسعى إليه هو الحالة السعودية الآن، فكانت ولا زالت من أشد أعداء دعوة التوحيد في مختلف الأقطار لأنها دعوة منافسة تقوّض دعائمها.
ليس في تونس أو غيرها فسق وفجور فقط، وإنما هناك عقيدة شرعت هذا الفسق واستحلته بمبدأ الحرية الشخصية، وهذا دين كدين المزدكية المجوسية قديما، فالذي يعزل دين الله عن التحكم في جانب من جوانب الحياة أو يعتقد أن له الحرية المطلقة مثلا في مأكله ومشربه وملبسه قد رد دين الله كما رده إبليس وليس مسلما عاصيا.

ولعل سنوات الكبت والحرمان من كل ما يتعلق بالإسلام من شعائر وأخلاق قد ينجر عنها تمسك بهذه الأحكام فقط كرد فعل، أما الكفر الواقع من اتباع لمذاهب الطاغوت بأصنافها فلا حديث عنه من طرف الحركات المنتسبة إلى دعوة الإسلام.
والبديل عن كل ذلك هو تجريد التوحيد وتحقيق الإسلام لمن يفترض أن يكونوا دعاة للدين قبل دعوتهم غيرهم لدين الله، لأنه متى اجتنبنا الطاغوت بصوره وأشكاله وتبرأنا من أهله اعتقادا وقولا وعملا اتضحت لنا سبيل الدعوة كما اتضحت لمن كان قبلنا دون دروس ومحاضرات.








ـــــــــــــــــ
التونسي
23 3 2011


الانتخابات عند أعلام السلفية

كم هي المقولات التي تشيع وتنتشر بين العوام و لا قيمة لها عند العلماء الأعلام؟ ! و كم هي الأحكام التي تصير في مصاف القطعيات التي لا يخالطها شك و لا يمازجها ريب، و هي عند التحقيق حديث خرافة ؟ ! و كم هي الفتاوى التي تذل لها عقول كثيرين و لا نصيب لها من الصحة إلا الرواج، و لا دليل عليها إلا الانتشار ؟؟ و عليه فإن انتشار القول و اشتهار الفتوى لا يعطيها صدقية، و لا يكسبها حجية؛ حتى ينظر على أي أساس بنيت و على أي دليل استندت؛ و هذا يوجب على العلماء و الباحثين الاهتمام بما يروج من فتاوى و أقوال و أحكام بين العوام و توضيح الصواب فيها من الخطأ. و قبل ذلك أن يخرجوا من قيد التقليد إلى رحاب الاجتهاد. . و إلا فإن الثقة العمياء في العلماء أو أدعياء العلم تجعل الإنسان يتقبل كل ما يسمع، و تضع على عينيه غشاوة، و قد تصل به إلى رد الحق من حيث يظن أنه على حق؛ و المعصوم من عصمه الله تعالى.

و من بين المسائل التي شاع الخطأ فيها بين العوام حتى صار عقيدة عند بعضهم يقاتل في سبيلها، و يقسم بالأيمان المغلظة عليها مسألة تحريم الاشتغال بالسياسة و تحريم الانتخاب عند علماء السلفية. و قبل نقل بعض فتاوى المعاصرين منهم في هذه المسألة لا بأس أن نبدأ من عند شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – الذي يعد بحق المرجع الأولى لكل الدعوات الإصلاحية و التيارات السلفية المعاصرة؛ و معلوم أن لابن تيمية اجتهادات رائدة و مؤلفات ماتعة في كل فنون العلم و قد أفرد للسياسة الشرعية مؤلفا جدير بكل باحث أن يقف عند تقريراته فيه حيث تعتبر آراؤه فيه تطبيقا نموذجيا لفقه المقاصد و الموازنات و الأولويات. و أجتزئ من كلامه هذه الفقرة عن تولي الولاية تقليلا للمنكر قال: " فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله و إقامة ما يمكنه من واجبات و اجتناب ما يمكنه من المحرمات لم يؤاخذ بما يعجز عنه فإن تولية الأبرار للأمة خير من تولية الفجار حتى و إن لم يستطيعوا أن يحكموا بكل ما أنزل الله إذا عجزوا عن ذلك " [ مجموع الفتاوى 28 / 369 ].

و هذا الكلام أصدق ما يصدق عن التجربة السياسية للحركة الإسلامية فإني أحسب أنه لم يخطر على بال أحد من رجالاتها أنهم يقصدون منها القضاء النهائي على المنكر و التحكيم التام لشرع الله، و لكنه التدرج و الإصلاح بحسب المستطاع، و ما هذا إلا إضاءة خاطفة و إلا فإن التتبع و البحث سيوقفنا على سيل من مثل هذه التقريرات.

و قد يفجأ كثيرون حين يقرأون هذه الفتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – و التي أجاب فيها عن سؤال وجه إليه حول شرعية الترشح للبرلمان و حكم الشرع في استخراج بطاقة الناخب بنية انتخاب الإسلاميين فقال – رحمه الله - :" إن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال :" أنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرء ما نوى " لذا فلا حرج من الالتحاق بمجلس الشعب إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق و عدم الموافقة على الباطل لما في ذلك من نصرة الحق و الانضمام على الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين و تأييد الحق و أهله... و الله ولي التوفيق [ نشرت بمجلة المجتمع الكويتية الصادرة بتاريخ 23 / 05 / 1989 م ] و كلام الشيخ – رحمه الله – صريح – كما هو واضح – في اعتبار الدخول للبرلمان من الدعوة إلى الله و في جواز الانتخاب و هو لا يحتمل تشكيكا و لا تأويلا.

و هذا ليس رأي الشيخ ابن باز – رحمه الله – وحده من أعلام السلفية بل هو رأي جميعهم إذ لم يعرف عن علم من أعلامها المشهود له بالعلم قول يخالف قول ابن باز بل على العكس نجدهم يفتون بالجواز بكلام صريح، فهذا الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – يقول إجابة عن أسئلة وجهت إليه من الجزائر ما يلي : " و لكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام و فيهم مرشحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج فتصح – و الحالة هذه – كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين و من هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح " [ المجلة السلفية الصادرة بالسعودية . العدد 03 لسنة 1418 هـ . ص 29 ] نعم الشيخ الألباني يعتقد أن طريق الترشح و الانتخاب لا يحقق الهدف المنشود، و لكنه من باب تقليل الشر و دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى [ المرجع السابق . نفس الموضع ] و هذا رأيه و اجتهاده المحترم. و لكن صريح قوله يفيد جواز المشاركة في الانتخابات كما هو بين في جوابه عن السؤال الذي وجه إليه: ما حكم خروج النساء للانتخابات ؟ فأجاب رحمه الله بقوله:" يجوز لهن الخروج بالشرط المعروف في حقهن ... – يقصد الستر و عدم الاختلاط - ... ثم أن ينتخبن من هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى " [ مجلة السلفية بالبيانات نفسها . و لا بأس التنويه إلى أن هذه الأسئلة هي أسئلة جبهة الإنقاذ و هي منشورة كاملة في جريدة المنقذ و مجلة الأصالة التي أصدرتها جمعية الأصالة و يرأس تحريرها د/ موسى نصر أما مجلة السلفية المذكورة أعلاه فقد انتقت بعضها منها فقط ] فالشيخ الألباني كما هو واضح من كلامه ينصح السلفيين بضرورة الانتخاب لصالح الإسلاميين و يحرض حتى النساء على فعل ذلك و كلامه صريح لا يحتمل أي تأويل و لا تشكيك.

أما الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله – فرأيه أشهر من أن يشهر و ناهيك بكتبه : " المسلمون و العمل السياسي " و " فصول في السياسة الشرعية " و " مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية و قبول الولايات العامة في ظل الأنظمة المعاصرة " ففيها ما يروي كل ظمي و يهدي كل عمي و مع ذلك تظل أوضح و أصرح فتوى له هو مشاركة الحركة السلفية في الكويت في الانتخابات و دخولها مجلس الأمة الكويتي فليس بعد الفعل قول و ليس بعد التطبيق نظر.

و أجاب الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله – عن سؤال وجه إليه بمناسبة إجراء الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية جاء في آخره :" ... فكيف يرى فضيلتكم المشاركة في هذه الانتخابات بالتسجيل أو الترشيح ؟ فقال:" نظرا لأهمية هذه الانتخابات و أثارها المنتظرة في تحسين وضع البلاد و اختيار ماله أهمية و مصلحة في البلاد و العباد فإننا نرى أهمية المشاركة في هذه الانتخابات و اختيار الأفضل من المرشحين من أهل الخبرة و المعرفة و الصلاحية لخدمة المشاريع البلدية، و رجاء أن يكون المرشحون من أهل الصلاح و الإصلاح، و العمل فيما يكون سببا في الاستقامة و اختيار ما يناسب البلاد و اختيار الأشخاص الصالحين المصلحين ممن يرجون الله و الدار الآخرة و ينصحون لولاة الأمر و للمواطنين فمتى تقدم أهل الخبرة و أهل المعرفة و أهل الاستقامة لاختيار من لهم صلاح و معرفة فإن ذلك خير في الحال و المآل و الله أعلم ". [ موقع الانتخابات البلدية لحكومة المملكة العربية السعوديةمرحبا بكم في موقع الانتخابات البلدية ] كما ذكر الدكتور ناصر العمر أن للجنة الدائمة للإفتاء فتوى في الموضوع ستنشر قريبا و قوله هذا موجود في الموقع المذكور و ما هذه النقول إلا جنى عجالة و إلا فإن الباحث المتلبث سيقع على الكثير.
و قبل أن أختم لا بأس أن أثبت هذه الكلمة للشيخ العلامة المحدث الكبير أحمد شاكر – رحمه الله – و هو إلى السلفيين اقرب منه إلى غيرهم قال:" .... و إذ ذاك سيكون السبيل إلى ما ينبغي من نصرة الشريعة السبيل الدستوري السلمي: أن نبث في الأمة دعوتنا و نجاهد بها و نجاهر ثم ( نصاولهم ) عليها في الانتخابات . و نحتكم فيها إلى الأمة و لئن فشلنا مرة فسنفوز مرارا بل سنجعل من إخفاقنا في أول أمرنا مقدمة لنجاحنا بما يحفز الهمم و يوقظ العزم ... " [ الكتاب و السنة يجب أن يكون مصدر القوانين في مصر: لأحمد شاكر ص 40 – 41 ] و الله الموفق لكل خير و الهادي إلى سواء السبيل.
منقول





ـــــــــــــــــ
عمار
23 3 2011



يقول التونسى نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التونسي
و أجتزئ من كلامه هذه الفقرة عن تولي الولاية تقليلا للمنكر قال: " فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله و إقامة ما يمكنه من واجبات و اجتناب ما يمكنه من المحرمات لم يؤاخذ بما يعجز عنه فإن تولية الأبرار للأمة خير من تولية الفجار حتى و إن لم يستطيعوا أن يحكموا بكل ما أنزل الله إذا عجزوا عن ذلك " [ مجموع الفتاوى 28 / 369 ].
ولا أعلم أى إشكال فى هذه العبارة ، ألم يسعك حملها على المسلم فى ديار الإسلام التى اتخذت الله وحده حكما كما اتخذته وحده ربا وإلها ، ولكن كان فيها من الظلم والجور ما فيها وغلب على أهلها الفساد بحيث لو استطاع أهل الطاعة تولى ولاية يقصد بها طاعة الله و إقامة ما يمكنه من واجبات و اجتناب ما يمكنه من المحرمات ؛ فإنه ولابد أن لا يؤاخذ بما يعجز عنه فإن تولية الأبرار للأمة خير من تولية الفجار حتى وإن لم يستطيعوا أن يحكموا بكل ما أنزل الله إذا عجزوا عن ذلك ، فهل العجز المقصود به هنا عجزا عن تحكيم شريعة الله وحدها فى جانب من الجوانب وابتغاء غيره حكما فى هذا الجانب ؟ أم هو عجز عن تطبيق حكما من الأحكام فى قضية من القضايا دون أن يبتغى غير الله حكما ؟ فإن كان الأول فقبوله ابتداءا لولاية تبتغى غير الله حكما ولو فى تشريعة واحدة من التشريعات لهو كفر بخالق الأرض والسماوات ، وما الذى أجبره على قبول ولاية مثل هذه ، فإن قيل عجزا ، قلنا : الشرك لا يعفى عن مرتكبه إلا فى حال الإكراه . وإن قيل : المصلحة : قلنا وأى مصلحة ترجح على مصلحة البقاء على توحيد الله عز وجل وابتغاءه وحده حكما . وإن قيل خوف مفسدة : قلنا وأى مفسدة أشنع من مفسدة الإشراك بالله . بل هو جزع من استضعاف و استعجال تمكين بغير أسبابه المشروعة ، ومن استعجل أمرا قبل أوانه وبغير أسبابه عوقب بحرمانه








ـــــــــــــــــ
التونسي
24 3 2011





أدلة أهل العلم على جواز المشاركة في الأنتخابات من السنة:


1- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) .[أحمد ومسلم والترمذي والنسائي]. فما دام التغيير في مقدورنا، فعلينا القيام به، وهذه المجالس لا يتيسر إزالة أو إنكار المنكر الذي يعلن فيها إلا لمن دخلها، فكيف نترك الأمر والنهي في هذه المجالس مع عظيم تأثيرها في الأمة. قال الإمام النووي ثم إنه قد يتعين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان [المنكر] في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو).[شرح النووي على مسلم:2/24]
2- قول الرسول - - : (ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، يَقْدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يَعُمَّهم الله منه بعقاب). [أبو داود]. قال الإمام النووي: ( وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله - تعالى - بعقابه). [شرح النووي على مسلم:2/24]. هذا والجميع يرى أن للنواب في هذه المجالس حق الكلام والمناقشة لكل مسؤول في الدولة، وحق الاعتراض على كل ما تقوم به الحكومة، وهذا تغيير للمنكر باللسان. وإذا كان النواب الملتزمون بالشرع لهم اليد العليا في المجلس، أمكنهم حينئذ تغير المنكر باليد.
3- فعل النبي - -: حيث عمد إلى الاستفادة من نظم المجتمع الجاهلي التي كان يتحاكم إليها أهل الجاهلية في إفادة الدعوة الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة نقتصر على أهمها: 1- إجارة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم :حيث ظل النبي - - يدعو إلى الإسلام تحت حماية عمه دون أن تمسه قريش بسوء قرابة عشر سنوات، ولم يتخل أبو طالب عن ابن أخيه، أو يرفض ابن أخيه حمايته.[سيرة ابن هشام:1/264].
2- حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوة السلاح الجاهلي في شعب أبي طالب: فعندما رأت قريش إصرار أبي طالب مع بني هاشم وبني المطلب على حماية النبي - - عمدت إلى مقاطعتهم، وتمالأ على ذلك الأحلاف وهم: بنو عبد الدار وبنو جمح وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو عدي، وحصروا بني هاشم وبنو المطلب جميعا مسلمهم وكافرهم في الشعب، مطالبينهم بتسليم النبي لهم ليقتلوه. وكان أبو طالب في الشعب يحتاط لحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يأمر أحد بنيه بالنوم في فراش النبي - - الذي رآه الناس يستلقي فيه تمويها عليهم.[سيرة ابن هشام:1/351].[الرحيق المختوم/98].
3- دخول النبي - - إلى مكة في جوار المطعم بن عدي عندما عاد من الطائف: حيث إن قريشاً منعت النبي - - من دخول مكة بعد عودته من الطائف، فأرسل النبي - - إلى الأخنس بن شريق وسهيل بن عمرو والمطعم بن عدي تباعا ليدخل في حماية أحدهم، فرفض الأخنس وسهيل لأسباب تتعلق بقانون الإجارة الجاهلي، وأجاب المطعم بن عدي، حيث أمر بنيه وقومه بني نوفل بحمل السلاح وقال لهم: أني قد أجرت محمداً، فكونوا عند أركان البيت بسلاحكم، ثم نادى في قريش يعلمهم إجارته للنبي - -. ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم دخل منزله.[سيرة ابن هشام:1/381]. كل ذلك وسيوف المشركين من بني نوفل مشرعة تحميه من مشركي قريش.
وتعقيبا على كل ذلك نقول: إن واقع الحركات الإسلامية يتطلب منها حسن الاستفادة من النظم القائمة لتحقيق بعض المنجزات لدعوة الإسلام ودعاته، أو حماية الدعوة من الفناء والهلاك، اقتداء برسول الله - - ولا يسمى هذا العمل من قبل النبي - - رضىً بأحكام الكفر، أو رضىً بما يشرعونه من دون الله، أو ركونا ومساندة للذين ظلموا. وإن دخول المجالس التشريعية لا يخرج عن هذا المعنى، فلا يقال لمن عمد إلى الاستفادة من نظم لا تحكم بالإسلام دون الرضى بها: إنه رضي بالكفر وقوانين الكفر، وأن هذا كفر.
4- توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالهجرة إلى الحبشة: حيث قال لهم موجهاً: ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه).[سيرة ابن هشام:1/321]. والنجاشي ملك الحبشة كان نصرانيا، وحكمه قائم على أسس من التوراة والإنجيل، غير أن هذا لم يمنع من الاستفادة من ميزة العدل في نظام حكمه الجاهلي.







ـــــــــــــــــ
عمار
25 3 2011





[فما دام التغيير في مقدورنا، فعلينا القيام به، وهذه المجالس لا يتيسر إزالة أو إنكار المنكر الذي يعلن فيها إلا لمن دخلها، فكيف نترك الأمر والنهي في هذه المجالس مع عظيم تأثيرها في الأمة. ]

ونحن نسأل ما حكم دخولها ، هل هو الكفر فى حق من لا ينوى التغيير ، والاستحباب فى حق من ينوى التغيير ؟ وكأن الدخول فى هذه المجالس كالأعمال المباحة المستوية الأطراف والتى يتحدد حكمها بنية الداخل ومقصده ، ولا حكم لها فى ذاتها ؟!
ثم ما حكم إزالة المنكر إذا لم يتيسر إزالته إلا بفعله والدخول فيه ؟ أيكون فعل المنكر حينئذ مستحبا وواجبا ؟ وهل الدنس يزال بالدنس ؟!
وهل أمرنا الله بفعل الكفر بهدف إعلاء راية الإسلام والتمكين لأهله " أيأمركم بالكفر بعد إذا أنتم مسلمون " ، فهل يجنى من الشوك العنب ؟
وإنما يشبه تجويزكم لهذا الدخول بما عرض على من قبلكم ورفضه ؟ ففى صحيح البخارى عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني فقال لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنى أستطيعه فهل تدلني على غيره قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا قال زيد وما الحنيف قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر مثله فقال لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا وأنى أستطيع فهل تدلني على غيره قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا قال وما الحنيف قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج فلما برز رفع يديه فقال اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم .
فكونوا مثله واشهدوا شهادته ، وليكن قولكم وعملكم شاهدا على ما فى قلوبكم ، وإلا فلا شهادة لكم



أما عن استدلالاتك فهى فى غير موضعها وقد رددنا عليها ردا مجملا ولكن نريد أن نقول عن استدلالك الأول وهو
[1- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ....، قال الإمام النووي ثم إنه قد يتعين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان [المنكر] في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو).] ، وكذلك الثانى ،
فقد ذكرنا أن تغيير المنكر لا يكون بفعله.
أما عن قول الإمام النووى فنحن نتحدث عن حكم الدخول والمشاركة فى هذه المجالس ، لا عن حكم إنكار المنكر بعد الدخول .
أما عن الاستدلالات التى بعدهما فهى داخلة تحت باب الاستعانة بالكافر فى غير ما هو كفر ، وبغير الدخول معه فى ما هو كفر فلا يمكن تسويته بما تريد الدخول فيه.








ـــــــــــــــــ
أحمد إبراهيم
27 3 2011




 
السلام عليكم
اقتطفت هذه المشاركة وهي متعلقة بالمسألة المطروحة


إدخال شرع الله في العملية الديمقراطية:

قال علي بن حاج في جريدة "أخبار الأسبوع" (5/7/2003): (إذ خير طريقة للرد على هؤلاء وكشف زيفهم هي محاكمتهم إلى أصول الديمقراطية التي يرفعون شعارها لإثبات أن ليس لهم من الديمقراطية إلا الإسم، وهذا أسلوب قرآني في مجادلة الخصم، وإقامة الحجة عليه من عين ما يؤمن به ويعتقده لإفحامه، فلما اخترع اليهود حكما مخالفا لحكم التوراة أقام الرسول عليهم الحجة من التوراة نفسها التي يؤمنون بها...قال -تعالى-: [ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ]... [...قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ]... بل يجوز أثناء المجادلة والمحاججة أن تسلك الأسلوب الذي ذكره الله -تعالى- في قوله: [ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ]...وهو أسلوب سلكه سيدنا إبراهيم في محاججة قومه الذين رفضوا الوحي فأرغمهم بقوة الحجة العقلية...وعندما حطم الأصنام قال لهم: [فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ]...
لو حاكمناهم إلى الديمقراطية لكانوا عرقاء في الإستبداد والديكتاتورية، ولو حاكمناهم إلى أصول الحكم في الإسلام لكانوا أبعد الناس في فهم حقيقة الإسلام في سياسة الحكم...
فكيف يقال لمن صادر اختيار الشعب وفتح المحتشدات وأقال الرئيس وحل البرلمان وحطم المؤسسات وأحدث فراغا دستوريا وتلاعب بمواده، فخوّل لهيئة استشارية إيجاد سلطة تنفيذية غير دستورية...كيف يقال لمن فعل كل هذا: عفا الله عما سلف؟!) اهـ.

إن خير طريقة للرد على الديمقراطيين أو غيرهم –بل الطريقة الوحيدة المشروعة- هي محاكمتهم إلى دين الله لا إلى كفرهم، فليس هذا من أسلوب القرآن في مجادلة الخصوم، لأن الله قال: [ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ] [الفرقان: 52]أي بالقرآن.
أما الأدلة العقلية الواردة في القرآن فليست احتكاما إلى دينهم، وقول إبراهيم لقومه: [ فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ] [الأنبياء: 63]، لابد أن جوابها أنهم لا ينطقون، وبالتالي تبطل عبادتهم.
فالدليل للكافر عقلي غير نصي، وهو في القرآن عقلي، بخلاف المسلم أو الكافر الذي يدعي الإلتزام بالإسلام، ولولا ذلك لما احتاج القرآن إلى إقامة الأدلة، ولقرر التوحيد فقط، مثل تشريعه الأحكام للمسلمين.
وأما الإحتكام إلى الديمقراطية فهو قبول بها والتزام بحكمها، وهو الإيمان بالطاغوت، ويؤدي إلى إقرارها والرفع من شأنها، لا إلى إبطالها، بقولنا أن هذا الظلم لا تقره الديمقراطية أو الدستور أو الحرية العلمانية، فنواجه الظلم بالكفر.
وأما قول الله -تعالى-: [ قـُلْ فَأْتُوا بِالتَوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ][آل عمران: 93]، فهو استشهاد بما بقي في التوراة من كلام الله الذي لم يحرفوه، لا بما حرفوه منها.
وأما قوله: [قـُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ][الرعد: 43]، فهي مثل سابقتها احتكام إلى ما بقي في الكتاب وهو التوراة والإنجيل، إذ فيهما البشارة برسالته صلى الله عليه وسلم، فلو شهدوا بخلاف ما في الكتاب فشهادتهم باطلة، فلم يكن ملزما بما سيقوله الأحبار لو كذبوا، فهذا دعوة لهم للإستخبار لا فصلا في الخصومة، وقد شهد بصدقه من أسلم من علماء اليهود والنصارى.
وأما قوله -سبحانه وتعالى-: [ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ] [سبأ: 24]، فليس شكا في أنه على هدى، ولكن يثبت لهم بأن أحد الفريقين على هدى لا أكثر، وأنه لا لقاء بين الهدى والضلال.
والشيخ هنا يدافع عن الدستور الذي يخالف شرع الله، وعن البرلمان والرئيس اللذين يشرعان ويحكمان بشرع يخالف شرع الله، فينتقل من مجرد إظهار بطلان مذهب خصمه إلى الدفاع عنه، كيف لا وهو الذي رضي بالعمل في إطار الديمقراطية، رغم تصريحه بالكفر بها بلسانه.
بدأ أولا بإلزامهم بمبادئ يدّعون اتباعها، ثم انتهى بالتزامه لها هو بنفسه، بل والإنتصار لها ضدهم، فأي دين هذا؟! وأين هذا من قول الله –تبارك وتعالى-: [فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ] [الشعراء: 216] ؟ في صراحة المسلم أثناء دعوته.
إنه وأمثاله يؤكدون دوما تقيدهم بالدستور، ويعلنون التزامهم به، ويقسمون يمين الولاء على ذلك، واحترام التداول على السلطة، هم وأهل المبادئ العلمانية الأخرى، لأن الدولة الكافرة لا تقبل انخراطهم في سلكها، وتقلبهم في مناصبها، وهم متبرئون من الدساتير والمبادئ القائمة عليها.
وإدخالهم شرع الله في مجال التصويت مقابل الشرائع الأخرى إنما هو فخ وخدعة وقعوا فيها، إذ قبلوا بتداول شرع الله مع شرع الطاغوت على السلطة، وجعلوه محل تصويت واستفتاء ومصادقة، والتزموا مسبقا بحكم الأغلبية لا بحكم الله، وهو محل الكفر، لأن الإحتكام هو لعدد الأصوات لا إلى الدليل الشرعي، ووجودهم في السلطة أو في المعارضة يعطي الكفر دفعا قويا، إذ أنّ المعارضة هي جزء من العملية الديمقراطية ، حيث لا ديمقراطية بلا معارضة.
حيث يحوّلون الخلاف بينهم وبين العلمانيين الآخرين من خلاف بين الإسلام والكفر إلى خلاف حول برامج اجتهادية، وغاية ما يحققونه ليس العمل بشرع الله، وإنما يغيرون رجال الحكم المفسدين بآخرين أيديهم نظيفة، وكلهم تحت نظام جاهلي .
إنهم يعتبرون أنفسهم في دولة مسلمة، يتنافسون مع العلمانيين على الوصول إلى الحكم فيها حتى لا يحتكر هؤلاء السلطة، وكأنهم في عصر الخلافة الأول، حيث كان هناك مفسدون ليسوا بالكفار، ويؤمنون بوجوب التكامل معهم في إطار العلمانية لبناء الدولة.
إنه لا يمكن لمبدأ يعيش في إطار مبدأ آخر أن يواجهه، فهؤلاء الذين قبلوا المشاركة في البناء الديمقراطي باسم "الإسلاميين" في إطار ما يسمى باللعبة السياسية إنما يساهمون في تأخير الدعوة الصحيحة ويعطون الشرعية للعلمانية، إذ لا يصح للمسلم الذوبان في المجتمع الجاهلي وإيجاد مؤسسات اجتماعية داخله لإصلاح ثغراته، كمكافحة الآفات الإجتماعية، منافسة للعلمانيين الذين يتحركون في إطار نظامهم، وإنما أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك المؤسسات في المدينة.
ولا يدرون إن كانت الدولة اليوم خصمهم أو حليفهم أو حَكما بينهم، ويدعونها لنصرة الدين، ويدعون للتفاهم معها لمواجهة التحديات الخارجية في ظل الوطنية العلمانية، وذلك لأنهم يتصورون أن من يحارب الإسلام يمكن أن ينصر دعوته! كاستغاثة الضحية بالمجرم .
إن المنطق يقول بأن أي مبدأ يناضل ليكرس في حياة الناس يجب أن يحدد أبعاده وضوابطه، ويعرف أتباعه من خصومه، أما الإسلام في نظر هؤلاء فهو بعيد عن هذه القواعد التي اتفق عليها البشر حتى في مبادئهم المنحطة.
قال أحمد بن علي خطاب في "الإسلام والجزائر" (18): (ما كنت كتبته للرئيس الشاذلي بن جديد اقترحت عليه وعلى المسؤولين الجزائريين إذ ذاك العمل بالإسلام، ويتلخص ذلك فيما يلي: تخطيط ونسج دستور إسلامي...وعندما تتم الخطوط الكبرى لهذا الدستور السماوي -وليس هذا من السهل- يعرض على الشعب في استفتاء عام محكم بعد الإشهار له والتعريف به بسائر الوسائل، وعند ذلك فإن الشعب المسلم سيصوت عليه بأغلبية ساحقة، لأن التصويت ضده أو التخلف عنه يعتبر -شرعا- ردة وكفرا، وفائدة تصويت الشعب بالأكثرية المتوقعة أنه يقطع ألسنة المعارضين ويحطم أقلامهم المسمومة، لأننا سنحكم عليهم ونقضي على نزعاتهم باسم الديمقراطية التي يتغنون بمعناها...وفي هذه المدة المقررة لإدخال الدستور الإسلامي في حيز التطبيق تسمح السلطات لبعض المواطنين الذين يأبون الإمتثال لأوامر الإسلام أن يقيدوا أسماءهم وأحوالهم في مصالح بلدية مثلا، ويعلنون عن تبرئهم من الإسلام الحنيف، وهذا من حقهم، [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ]، وعند ذلك تصبح معاملتهم من طرف الإدارة الإسلامية ومن طرف المواطنين المسلمين معاملة غير إسلامية، فهم جزائريون مواطنون لهم ما للجزائريين وعليهم ما عليهم، لكن لا كمسلمين، ولا حق لهم في معاملة الإسلام في التزويج والإرث والشهادة والإشهاد ولا في الموت ولا ما بعد الموت...ويقطع المجتمع الجزائري هذه المدة في تلهف زائد وترقب سائد ساعة دخول الأحكام الرحمانية والقوانين القرآنية في دائرة التنفيذ والتطبيق، وعندما تدق الساعة المرتقبة يخرج مجتمعنا من طور ظلمات العصر الجاهلي) اهـ.

إن كل هذه التخبطات الهزلية ناتجة عن جمعهم بين الإسلام والديمقراطية، بين الحكم المطلق لله والحكم المطلق للشعب، وأن شرع الله لابد من تزكيته من طرف الشعب في هذا العصر، ولا بد أن يستمد شرعيته من الرأي العام وبأدوات الديمقراطية.
فكيف سولت لهؤلاء العلماء نفوسهم أن يسمحوا للناس بالإرتداد عن الإسلام ما داموا يعتبرونهم مسلمين أصلا؟ أليس هذا مخالفة لشرع الله الذي يدعون إلى الحكم به؟ ثم يعتبرونهم من أهل الذمة، على أنهم كفار أصليون!
والواقع أن ذلك كلام فقط، وإنما هم يدعون للحكم بشرع الله في إطار وطني، حيث يكونون مع رافضيه سواء إخوانا في الإسلام، في اعتقادهم الباطل، ولهذا فرايتهم التي يرفعونها جميعا واحدة.
ولا يكون مسلما من رضي أن يُحتكم إليه أو يَحتكم إلى غيره حول العمل بشرع الله أو بشرع الطاغوت، وإن كان حكمه باتباع شرع الله، وسواء صوّت الشعب بالقبول أو الرفض فقد جعل نفسه سيدا فوق سيادة ربه عز وجل، فكل من حكم بعد حكم الله فحكمه حكم طاغوت وإن كان موافقا لحكم الله، وكل هذا يبطل الفتوى التي تقول أن الدخول في البرلمان كفر لكن التصويت على من يسمونهم بالإسلاميين أولى لكي يكونوا أغلبية.
وحجة إقامة الحجة باسم الشعب مبدأ جاهلي، لأن الحجة في أمر الله ونهيه لا في رأي الشعب،وقد دعاهم خصومهم للإحتكام إلى الشعب أو نوابه في قضية اتباع شرع الله أو غيره، فقبلوا والتزموا بحكمه، فصيروا الشعب طاغوتا وعبدوه من دون الله، والله يأمرهم بالرد إلى الكتاب والسنة إذا تنازعوا في أي شيء في حياتهم، فما بالك بقضية الإسلام أو الكفر؟
فإن قالوا أن الشعب يختار شرع الله وليس حَكما،قلنا: كذبتم، هذا يخالف مبدأ الديمقراطية الذي قبلتم الدخول فيه، وإنما الشعب هو حَكم بينكم وبين خصومكم المعارضين لتحكيم شرع الله، بكل ما يشتمل عليه التحاكم من حاكم وحكم ومحكوم فيه ومحتكمين.
وإن قلتم: نحن على يقين من أن الشعب لا يصوت على غير شرع الله، قلنا: هذا لا يغير من حقيقة احتكامهم إليه شيئا، وقضية اتباع شرع الله أو غيره لا يحتكم فيها من يدعي الإسلام ولو إلى عمر بن الخطاب، ولو كانت القضية اختيارًا لا حكما لما التزمتم بحكم الشعب إن رفض شرع الله، فأنتم لا تفرضون حكم الإسلام إذا رفضه الشعب، ولكن تلتزمون بحكمه كما يلتزم أي متحاكم.
قال المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف في جريدة "العربي" (العدد: 21): (إننا مع ما يقره الشعب وما تفرزه الديمقراطية، فإذا جاءت بأي شخص للحكم، سواء كان قبطيا أو مسلما يجب أن نقف خلفه ونؤيده، طالما كان مواطنا مصريا وطنيا بصرف النظر عن عقيدته، لأننا سنحتكم إلى الديمقراطية وما يختاره الشعب).
فلقبولهم جميعا بفصل الدولة عن الإسلام كما فصلت عن النصرانية لم يروا حرجا في أن يحكمهم النصارى، لأن نظام الحكم عندهم واحد، وأي دولة لا تقبل أن يحكمها أو يتبوأ منصب القرار فيها من يعتنق نظاما غير نظامها وإلا انهارت، فحتى وإن لم يخنها فإنه لا يعمل للتمكين لمبادئ يخالفها، والتمكين لدين الله هو غاية بناء الدولة.
أما سماحهم لمن يسمى بالمسلم من الوصول إلى الحكم اليوم فهذا لأنه يفهم الإسلام في إطار نظامهم العلماني، أي أنه اعتقاد وشعائر تؤدى، وهذا ليس إسلاما، فالإسلام ليس بوذية تحكمها الإشتراكية، ولا هندوسية تحكمها الديمقراطية، وإنما يخالف الإشتراكية والديمقراطية كما يخالف البوذية والهندوسية .
يشبه هؤلاء في اتباعهم حكم الطاغوت من أجل تقويضه من الداخل، ما فعله الأيوبيون من قبل مع الدولة الإسماعيلية العبيدية الكافرة، وهي طريقة عرجاء ملتوية، بدايتها كفر ونهايتها كفر، فالضرر لا يزال بمثله.
قال ابن خلدون في "العبر" (9/620): (وجاء أسد الدين لقصر العاضد فخلع عليه الوزارة ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش، وخرج له من القصر منشور من إنشاء القاضي الفاضل البيساني وعليه مكتوب بخط الخليفة ما نصه: هذا عهد لا عهد لوزير بمثله، فتقلد ما رآك الله وأمير المؤمنين أهلا لحمله، وعليك الحجة من الله فيما أوضح لك من مراشد سبله، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوة واسحب ذيل الفخار بأن اعتزت خدمتك إلى بنوة النبوة، واتخذ أمير المؤمنين للفوز سبيلا، [وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ].
وقال في (9/552): (ثم هلك أسد الدين وقام صلاح الدين ابن أخيه مكانه، وهو مع ذلك في طاعة نور الدين محمود، وهلك العاضد فكتب نور الدين إلى صلاح الدين يأمره بإقامة الدعوة العباسية بمصر والخطبة للمستضيء، ويقال أنه كتب له ذلك في حياة العاضد وبين يدي وفاته وهلك لخمسين يوما أو نحوها، فخطب للمستضيء العباسي وانقرضت الدولة العلوية بمصر).
والقوم اليوم يشاركون في الحكم على أن يقبلوا بالمبادئ الجاهلية وشرائعها، ثم يسعون لتغييرها، حيث لا تعطى لهم الصلاحيات لذلك كحال يوسف صلى الله عليه وسلم، الذي لم يكن مخيرا بين الإسلام والحكم مع الكفر، لأن منصبه كان مباحا بخلاف الأعمال التي هي ظلم أو فسق أو هي كفر بذاتها، ولم يطلب المنصب حتى فوّض إليه الأمر كله، ولذلك طلبه مختارًا لا مكرها، ولم يكن ليطلب الكفر مختارًا ولا مكرها.
فقد دعي رسول الله إلى ما دُعوا إليه فأبى وأجابوا، ولم تعط لهم الصلاحيات المطلقة التي أعطيت له، حتى قالوا له: (إن كنت تريد به شرفا سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا) [قال الألباني: أخرجه ابن إسحاق بسند حسن عن محمد بن كعب القرطبي مرسلا ووصله عبد بن حميد وأبو يعلى والبغوي من طريق آخر من حديث جابر كما في تفسير ابن كثير وسنده حسن]، وكان بإمكانه وفق ما آتاه الله من مؤهلات أن يسود قومه ويغير من فوق ومن موقع قوة، ولكنه اختار طريقا آخر.
ولم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-:أحكم وأعلن الرضى قولا وعملا ثم أغيّر، فهذا خداع يرفضه دين الله فوق كونه كفرا، لكن القوم لا يفهمون هذا لأنهم يريدون أن يخدموا الإسلام قبل أن يعرفوا معناه ويدينوا به.
وليس للنواب اليوم والوزراء والولاة المعيّنين من طرف مسؤوليهم أو المنتخبين من طرف الشعب أن يخرجوا عن قانون الدولة إلى قانون الله، كما وقع من يوسف مع أهل مصر أو النجاشي ملك الحبشة، وليس بإمكانهم أن يتهموهما بأنهما حكما بشرع الطاغوت وهما يعلمان بشرع الله.
ولا يمكن لأحد اليوم أن يصل إلى مثل تلك المراتب دون اعتراف بمبادئ الطاغوت التي يعلمون أنها تخالف دين الله، فحكام اليوم مجرد موظفين مهما علت مناصبهم، حتى منصب الملك أو الرئاسة، فهم يتصرفون في إطار الدساتير والنظم التي تقوم عليها الدولة، لأن الدولة في هذا العصر قائمة على المؤسسات لا كالممالك القديمة.
وليس لهم اليوم سلطة تغيير النظام بقرار شخصي، كما فعل ملك البحرين لما أسلم، لأن نظام الحكم اليوم نظام مؤسسات، ولا يقدر الرئيس على تغيير نظام الحكم، فليست له صلاحيات مطلقة تخوّل له ذلك.
إلا إذا أراد الإسلام لنفسه، وحينها فما عليه إلا أن يتنحى إن رأى أن قومه لا يجيبونه إلى الإسلام، لأن الإسلام ليس اعتقادا في القلب فحسب، وليس عقائد وصلوات فحسب، وإنما هو كفر بالطاغوت –أولا– اعتقادا وقولا وعملا.
وهذا يغفل عنه بعض من ينتسب إلى الدعوة، بدعوتهم حكام الأمم الأخرى إلى الدخول في الإسلام، حيث يفهمون الإسلام كعقيدة في القلب وفي إطار المبادئ العلمانية، الأمر الذي يختلف تماما عن دعوة النبي –صلى الله عليه وسلم- ملوك الفرس والروم والقبط إلى الإسلام.
إن أفعال الأنبياء التي تشابه على الناس أمرها يجب أن تفسر حسب عقيدة التوحيد، لأن كتاب الله لا يُضرب بعضه ببعض، وقد نزلت على قوم قد حققوا التوحيد، فلم تستشكل عليهم أمثال هذه النصوص، أما الذين لا يفرقون بين التوحيد والعلمانية، فيهدمون دين الله بعضه ببعض، لأنهم لا ينطلقون من التوحيد، وإنما ينطلقون من الدين الواقع الذي لا قواعد له.
إنه إذا وقع الكفر لا ينفع التسمي بالمسلم، ولا القول بأن دين الدولة الإسلام، كما أن الديمقراطيين -مثلا- لا يقبلون أن تتسمى دولة باسم الديمقراطية دون أن تطبق مبادئها، ودولهم -كما هو ظاهر للعيان- علمانية، ومع ذلك ينفون عنها تلك الصبغة، فيقولون أن دين دولتهم الإسلام، حتى يلقموا حجرا لمن ينكر عليهم فيسكت ويرضى، وهكذا لعبوا بهم.
فكم وقع من خصام من أجل كتابة تلك العبارة فقط في دستور غير قائم على مبادئ الإسلام وشرائعه، ولا يفتتن المسلمون حول هذا أبدا، لأن مقتضى كونهم مسلمين أن تكون دولتهم مسلمة، فلا يؤمنون بالله كأفراد ويكفرون به كجماعة.
إنهم لا يقبلون أن يتناقض أي قانون فرعي مع الدستور، ففي كل الدول يتطلب الأمر أن تكون القوانين دستورية، أي تتحرك في إطار الدستور لا الإسلام، ولكن يقبلون أن يتناقض الدستور مع نفسه، فمرة يقرر بأن دينه الإسلام، وفي ثناياه يخالفه ويناقضه.
ولكن هذا التناقض يختفي بمجرد أن نعرف أن تفسيرهم للإسلام علماني، أي باعتباره أمورا شخصية خاصة بالفرد، ولهذا قالوا أن العلمانية لا تضاد الإسلام، فالأمر بعيد كل البعد عما يظنه الذين يريدون أن يجمعوا بين حكم الله وحكم الطاغوت.
قال أحمد حماني في "الفتاوى" (203): (أن الدستور ينص في مادته الثانية على أن الإسلام دين الدولة، فما خالف الإسلام من الأحكام والنصوص القطعية فهو مخالف للدستور، وما خالف الدستور من نصوص وأحكام وقوانين فهو باطل).
لكن المشرعين الذين وضعوا هذه المادة لم يقصدوا من الإسلام إلا وعظه وأخلاقه وعقائده الغيبية وشعائره، وهذا خداع ظاهر، إذ أن ما يخص الدولة هو الأحكام التنظيمية، لا الشعائر والعقائد التي تؤدى دون وجود الدولة، ولذلك فلا يتغير نظام هذه الدولة لو قلنا أن دينها هو النصرانية.
إن هؤلاء الدعاة إلى الحكم بشرع الله يصطدمون بمبادئ الوطنية العلمانية، التي يقيمون عليها مجتمعاتهم حيث الكافر ومن يسمونه بالمسلم سواء أمام القانون في الحقوق والواجبات، كما يعنيه مفهوم المواطنة، الأمر الذي يخالف قواعد الإسلام، وهذا يؤدي بهم إلى تحريف الدين ليلائم الواقع، ولذالك قالوا دون حياء: ينبغي البحث عن إسلام واقعي.
إن كل مذهب يشرّع للحياة ينبغي أن يتخذ لأتباعه كيانا ينضوون تحته، وأرضا يطبقونه فيها وينطلقون منها، ولا يطبق تحت ظل نظام آخر، وعندما كان للمسلمين كيان ينضوون تحته ويعطونه ولاءهم، لم تكن لتحدث بينهم قضية كالدخول في الدولة الكافرة أو الأمم المتحدة ونحو ذلك، ولما أرادوا فهم الإسلام في إطار الوطنية والشرعية الدولية وقعت هذه المسائل.
يحتج العلمانيون على دعاة الشريعة بأنكم أفسدتم البلاد ونشرتم الفوضى والنزاع، فيتراجع هؤلاء مقتنعين بأن مصلحة الوطن أولى من دعوتهم، وإنما يتبعون من دين الله ما يحفظ لهم وطنهم وأمنهم ووحدتهم.
فبإمكان الدولة كلما شعرت بالخطر أن تثير أي معركة وطنية لتحوّل أنظار الناس إليها، بما فيهم هؤلاء الدعاة، لينصرفوا عن دعوتهم إلى الدفاع عن الكيان الذي يظلهم ويرفض دعوتهم.
لقد نادى هؤلاء لإقامة الشريعة الإسلامية، وقال آخرون أنها لا تلائم العصر، وكلما ذكّروا بشرع الله قالوا: بيننا وبينكم المعاهدات القانونية الدولية، فذهب الأولون يثبتون حكمتها وعدالتها، والكل ينتمي إلى أمة واحدة، يحاولون إقناع من رفضوا الإحتكام لدين الله بصلاحيته.
ونحن لا نقصد من البيان بأن اتباع شرع الطاغوت كفر بالله أن يعودوا إلى شرع الله ويحكّموه في حياتهم فقط، ولكن أن يعتقدوا بذلك أوّلا، ويبنوا عليه إسلامهم ابتداء.
إنه لا حاجة لنا للرد عليهم إلا لإقناعهم بالدين كله من منطلق أنهم غير مسلمين، فالقضية أكبر من تعديلات في شرائعهم، وإنما هي قضية إسلام أو كفر، إيمان بشرع الله وكفر بشرع الطاغوت، تماما كما هي عند المشركين من الأمم الأخرى.
ولا حرج في أن لا يقتنعوا بها، فنحن نقيمها بيننا دونهم، فليسوا هم محل إقامة شرع الله، بل ذلك يخص الأمة المسلمة، فنحن مستقلون بديننا عنهم، ومنفصلون عنهم، ولذلك لا ترد مسألة معرفة النظام الإسلامي قبل أن يمكّن له، ويوجد المجتمع الذي يحتضنه، لولا هؤلاء الذين يريدون تطبيقه بين قوم زهدوا فيه، أولا يؤمنون بوجوب الإرتباط به، أو يستبعدونه، أو يعلنون ولاءهم لغيره، فهؤلاء يريدون أن يطبقوه كبديل في إطار الديمقراطية لا بديلا عنها، بينما لم يشترط أحد معرفة شرائعهم التفصيلية مسبقا لتبني العلمانية، وليست مكلفة بذلك، فلماذا يشترطون هذا مع شرع الله؟!
إن الشريعة الإسلامية لم تجد الوعاء الذي يحتويها، وإنما يراد منها بطريقة خبيثة -مقصودة أو غير مقصودة- أن تكون وسيلة لملء الفراغ في ظل العلمانية وتجاوز التوحيد، فهي لا تتفق مع الوضع القائم الذي صنعته العلمانية في هذه الأمة، ولا يمكن تطبيقها فيها إلا بتحريفات كثيرة، كذلك قوانينهم التفصيلية لا تنسجم مع مجتمع يتبني مبادئ الإسلام وأخلاقه، فكل قانون ينبت من مبادئ تحتضنه، ويعتقد بها المجتمع الذي يطبق ذلك القانون في إطار تلك المبادئ.
فشريعة الله في الإقتصاد لا تتحقق دون عقائد الإسلام وأخلاقه، والمجتمع الذي يقوم على مبدأ الحرية الشخصية لا يمكن إقامة حد الخمر والفاحشة فيه، والمجتمع الذي لا يقيم الأسرة على مبدأ قوامة الرجل على المرأة، ويقيم العلاقة بينهما على التساوي في الحقوق والواجبات لا التكامل بينهما، لا يمكن قسمة الميراث بين الأولاد فيه وفق قاعدة [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ] [النساء: 11]، وإلا كان ظلما للمرأة، إلى غير ذلك.

الخلط بين حرية الإسلام وحرية الديمقراطية:

إن استغلال جو الإنفتاح الذي تصنعه الديمقراطية للدعوة إلى الله لا يعني الدعوة إلى الديمقراطية، وتبنيها والدفاع عنها ونصرتها، لأنها تبيح الكفر وتلزم به وتؤدي إليه، كما تبيح شيئا من دين الله دون إخلاص الدين لله، كقول الأولين: هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، وهذا يرفضه الإسلام.
ولا يمكن تشبيه حرية الديمقراطية بحالة الرجل المسلم المظهر لدينه بين الكفار، الذي يحتمي بعشيرته فلا يقدر عليه الكفار، فالمسلم لا ينكر الكفر في إطار الديمقراطية، بل ينكرها أصلا لأنها كفر بذاتها، وهذا ترفضه الديمقراطية.
كما أن استغلال المسلم الحمية القبلية لحماية الدعوة لا يعني الدعوة إلى القبلية، وإقرارها شرعا، والإستعانة بحماية الكفار للدعوة لا يعني -بالضرورة- الرضى بمبادئهم، وقوانينهم المخالفة لدين الله، والعمل في إطارها.
وقد احتمى -صلى الله عليه وسلم- بعمه أبي طالب وبني هاشم، واستجار بالمطعم بن عدي، وطلب الإيواء من القبائل حتى يبلغ دينه، لكن لم يكن ليقبل بحماية أحد يشترط عليه الرضى أو اتباع شيء من الأهواء ولو قولا، كالذين اشترطوا عليه أن يجعل لهم الأمر من بعده، وهو في مكة أحوج ما يكون إلى من ينصره.
إن دعوة هؤلاء إلى الديمقراطية وحرية التعبير لظنهم بأن دعوة الإسلام لا تقوم إلا في جو الحرية، أي بعد إذن من فرعون لموسى لا رغما عنه، فهؤلاء لا يفهمون بأن الإسلام يضاد الجاهلية في العمق لا في السطح، ولا يسير في إطارها، فالديمقراطية تكفل الحرية في الإعتقاد دون الإسلام لله وحده، لأن الإسلام يرفض الإقرار بالباطل.
إذن فعلى الإسلام أن يكيف نفسه معها، وهذا ما فعلوه، هذا التكييف هو التحريف وهو الكفر، فالإسلام يسمح بحرية الفرد أو المجتمع في إطاره، وهذه طبيعة كل شرع يضبط تصرفات الناس.
قال العلمانيون: يجب على من يسمون بالإسلاميين أن يلائموا تصوراتهم مع المبادئ الديمقراطية لا العكس، لأن الديمقراطية لا تتلاءم مع أطرهم المرجعية القائمة على الأحادية، والرافضة للتعددية السياسية والإختلاف العقدي.
فهم يعارضون حكم الإسلام أصلا، لا الحكام المسلمين الذين يصيبون ويخطئون، ويجعلون الحكم بشرع الله محل خلاف، وهذا بسبب أولائك الذين وضعوا شرع الله في ميزان الإنتخاب، بينه وبين الشرائع الجاهلية، متخذين الديمقراطية سبيلا للدعوة إلى شرع الله.
إن الإسلام يعم كل مناحي الحياة، فهو يعمل في المجال الذي تعمل فيه العلمانية أيضا، ولذلك يفرض حكمه ويترك الحرية للناس في اعتناقه أو تركه، وكذلك فعلت العلمانية، فلا يمكن معارضة العلمانية في أي نظام، سواء كان قائما على التعددية السياسية أو الأحادية.
ومعارضة الحكام المسلمين يجب أن تكون في إطار الإسلام، ولا يمكن معارضة نظام الإسلام أبدا، فلا يصح في المجتمع المسلم الإقرار بالأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة وتقويض النظام الإسلامي، كما لا يقبل الديمقراطيون من يستغل الديمقراطية إلى حين الإنقلاب عليها، كما أن الآليات التي تستعملها المعارضة ليست هي بالضرورة تلك المعروفة في النظام العلماني، فجدير بنظامين يختلفان في الأصل أن يختلفا في الفروع والوسائل، والمجتمع الذي يبنيه الإسلام هو غير المجتمع الذي تبنيه العلمانية، ولذلك لا يقاس أحدهما على الآخر.
إن الإسلام يقر التعددية واختلاف الرأي والإجتهاد المباح في إطاره دائما، كما تفعل العلمانية تماما، فهو يرفضها كما ترفضه، ولا يخدعنا العلمانيون بقولهم أن نظامهم يتسع لكل الناس وتياراتهم، ويمكّنهم من الوصول إلى الحكم، لأنه لا يمكن لمن يعتنق نظاما يخالفها أن يصل إلى الحكم، إلا أن يخلعه على بابها ويحتفظ به لنفسه ويتبنى مبادئها.
والإسلام يقر الناس على اختلافهم العقدي [ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] [هود: 118/119]، وإن كان لا يدعو إلى ذلك التنوع والإختلاف كما تفعل الديمقراطية، بعد أن تستثني الإسلام من حق الوجود.
وبإمكان المسلمين أن يدعوا الحكام الكفار إلى ترك الحرية للناس في دخول دين الله، قال –عز وجل– على لسان نبيه شعيب –عليه الصلاة والسلام-: [ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ] ]الأعراف: 86[.
لكن لا يدعونهم لترك الحرية المطلقة للناس في الإسلام أو الكفر، حيث يقبلون حتى بالردة، وعدم التمييز بين الناس على أساس الإسلام أو الكفر، وتشجيعهم على اعتناق الكفر كما تقول الديمقراطية، مثلما يشجعونهم على الإسلام سواء، فالمسلم لا يقر أن يكون لباسه مثلا عملا بمبدأ الحرية الشخصية المطلقة غير المضبوطة بدين الله، لأن هذا خروج عن دين الله، وإنما هو حر في إطار شرع الله، والإسلام لا يقبل إفساد مجتمعه باسم الحرية، ولا يقول للناس: ها هو المسجد وها هي المخمرة.
ولا يصح أن ندعوا إلى شيء من الإسلام تسترا تحت غطاء الحرية الديمقراطية إقرارا منا بها، ثم نجهز عليها إذا تمكنا، فهذا خداع ينبذه الإسلام، ويعني أيضا أننا آمنا بها لما كنا مستضعفين من قبل، ثم كفرنا بها لما استغنينا عنها، حتى وإن استعملت هذه المذاهب الجاهلية شيئا من الإسلام لترسيخ مبادئها، فإن الإسلام لا يقبل الإستعانة بها، فله وسائله الشريفة.
والكفر لا يقوم به إسلام، وكل مبدأ له وسائله الخاصة به، فنفس الوسائل تؤدي إلى نفس النتائج، وهذه الوسائل إنما هي المناهج التي تتعلق بصميم المبادئ، أما الوسائل المادية فهي من المصالح المرسلة، ما لم يأت نص يحرمها.
قال سلمان العودة في جريدة "العربي" (العدد: 19): (ففي الجزائر تمكن أبناء الصحوة من الأخذ بيد المتمكنين في زمام الأمور إلى شاطئ البر والتعايش، وأن أكبر هدف حققه هؤلاء الإخوة هو تمكين المجتمع الدولي من الوقوف على حقيقة مهمة، وهو أن بلوغ الإسلاميين إلى السلطة لا يعني الإنقلاب على الواقع وعلى الدولة وعلى النظام، وهذا الجانب مهم جدا، يمكن أن نعتبره درسا قدمته الجزائر للعالم برمته، وليس للعالم الإسلامي فحسب، ولكن رغم كل هذا لا بد من التأكيد على أن التيار الإسلامي في الجزائر استطاع أن يثبت أنه ليس ضد الثوابت الوطنية، وليس ضد الحريات، ولا ضد حقوق الإنسان، ولا الديموقراطية التي تعني العودة إلى الشعب).
إن أنبياء الله –عليهم الصلاة والسلام– ما جاؤوا إلا ليصرحوا للكفار بأن دينكم مخالف لدين الله، وأنهم يسعون للتغيير الجذري، [ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ][الكهف: 29]، ولم يخادعوا في دعوتهم، وإنما قدموها كبديل جاد وصريح، ولم يظهروا الموافقة، حتى إذا تمكنوا من بسط نفوذهم غيروا دين الكفار، هذا لم يفعله أي نبي من أنبياء الله رغم الظروف التي مروا بها.
وكيف لا يكون الإسلام ضد الحريات بالمفهوم العلماني الذي يعرفه الناس اليوم، ومنه حرية نشر الكفر والعصيان؟ وكيف لا يكون ضد الديمقراطية التي تعني العودة إلى حكم الشعب في أمر قد حكم الله فيه ؟ فعن أي دين يتكلم هؤلاء؟!
وقال حسن البنا في "نظام الحكم" من "مجموعة رسائله" (322): (بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول: "دين الدولة الإسلام"، أو قابلة للتغيير الذي يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذي يقول: "حرية الإعتقاد مكفولة"، وأحب أن أنبه هنا إلى الفرق بين الدستور والقوانين التي تسير عليها المحاكم، إذ أن كثيرا من هذه القوانين يتنافى صراحة مع ما جاء به الإسلام).
ولا يمكن تفسير المادة التي تعطي الحرية في الإعتقاد وفق القواعد الإسلامية، فدستورهم يكفل الحرية في الإعتقاد الغيبي وما يتبعه من شعائر فردية، وهو معنى الدين عند العلمانية، أما شرائعهم فلا حرية في تركها أو اتباعها.
وحرية الإعتقاد التي يقصدونها ويطبقونها ليست هي المعروفة في دين الإسلام، بل يفسرونها بتفسير العلمانية الغربية، فحتى إذا حرم الله شيئا أباحوه هم ولم يجرّموه، وإنما هو حق مكفول قانونا، وإن أباح شرع الله شيئا قيدوا حرية الناس ومنعوه كما أرادوا، ولذلك فلا يتفق شرع الله مع شرعهم في مفهوم أي حرية، فهذا يبيح الردة والكفر عموما، ولا يميز بين الناس على أساس الإسلام أو الكفر أصلا، والإسلام يقيم حدا فاصلا بين المسلمين والكفار.
وفي دين الله يمكَّن المشركون من حرية الإعتقاد، إلا إذا كانوا يدّعون الإسلام، فيمنعون من الإنتساب إلى المسلمين إن ظهر كفرهم حتى يسلموا، وهذا حق له، إذ هو تحريف للدين وتمييع له، لا يقبله أي منهج في الدنيا يحترم حدوده.
والنظام الإسلامي لا يربي أبناء أهل الذمة على شرائع الإسلام ومبادئه، بخلاف النظام العلماني الذي ينشئ نشأ جديدًا مؤمنا بمبادئه، وأنا لا أرى له شبها إلا بأولئك المنصّرين الذين يختطفون أبناء الناس ليعمّدوهم وينصّروهم.
وفي الواقع لا يصح أن ننتظر من شرعين متناقضين أن يحترم أحدهما حدود الآخر ويحفظ له مبادئه، أو يسير وفق قواعده.
والتعريف المتفق عليه بين كل الشرائع الإلهية والبشرية للحرية هو أن لا يُكره الإنسان على فعل ما لا يوجبه القانون، ولا يكره على ترك ما يسمح به القانون، ولا يكون حرا في مخالفة القانون أبدا، فالقوانين ملزمة، ولو كان في تركها حرية لصارت الحياة فوضى، والحرية لا تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين فقط، ولكن لابد من القوانين التي تحددها ابتداء، وتضع لها الضوابط وفق رؤيتها.
فالحرية عند الكفار تتوقف عند حكم القانون البشري، لا قانون الله كما هي عند المسلمين، وهنا محل الكفر بشرع الله والإيمان بشرع الطاغوت، فالديمقراطية –مثلا– هي حكم أغلبية الشعب، وإن خالفت حكم الله متجاهلة له.
فلا حرية عندهم إلا في إطار العلمانية، ولذلك يبطل تفسيرهم لقول الله -تعالى-: [ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ] [البقرة: 256]، ومحاولة ربطه بالحرية الديمقراطية التي تبيح الردة، ولا تقبل الخضوع لله وحده، ولا سلطان على هذه الحرية غير قانون أهلها.
فالإلتزام بالقانون الذي أقره الشعب أو نوابه واجب، ولا يمكنك معارضة مبادئ المجتمع الكلية كالعلمانية والإشتراكية والديمقراطية معارضة جادة تطمح إلى التغيير، ثم هم يحتجون بأن نظام الحكم في الإسلام لا يمكن معارضته، والحقيقة أنه لا يصح معارضة قانون الله لا اجتهاد الحكام .
وهناك قضية أخرى، وهي أن المشركين يدعون إلى حكم الشعب لإبطال حكم الأفراد المستبدين، ثم يبطلون حكم الله أيضا، وشرع الله أول ضحية، وبذلك ربطوا حربهم للظلم بحربهم لشرع الله، [ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ] [النور: 50]، ولذلك نجد الديمقراطيين يتحالفون مع الديكتاتورية لمحاربة الإسلام، لأن الهدف المشترك هو العلمانية لا حكم الشعب وحريته.
إن الأمر الذي كفر به الديمقراطيون وأنكره عليهم الإسلام ليس في تغليب حكم الأغلبية على الأقلية، وإنما في تبني حكم غير حكم الله، وسواء عندها أكان حكم أغلبية أو أقلية أو إجماع أو حكم فرد، فسواء استبد بوضع هذا الحكم البعض دون البعض، أو أعطي الحق للجميع في وضعه.
لكنهم يربطون الديمقراطية بالحرية السياسية خصوصا، ويحصرون حرية التعبير والنقاش الحر في الديمقراطية، وكأن الحرية لم تكن قبل الديمقراطية، ولا تعيش إلا في ظلها، حتى أصبحت الديمقراطية أمل الشعوب المغبونة كلها، حيث يظهر أن كل من ينكر الديمقراطية يدعو إلى الإستبداد بالضرورة، بينما دعوة الإسلام تنقل الحرية من إطار الديمقراطية وقوانينها إلى إطار الإسلام وقوانين الله، فهو أعلم بما يصلح لهم.
ـ منقول ـ
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: في خضم التغييرات على الأنظمة في تونس

مشاركة بواسطة الناسخ »

عمار
27 3 2011



جزاك الله خيرا كثيرا يا أحمد إبراهيم ، وأردت أن أضيف إلى ماقلت كلام لسيد قطب كتأكيد على المعنى الذى حوله ندندن ، لعل يكون له وقعه على القلوب بإذن الله ،
يقول سيد قطب :
ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر عاماً كاملة ، يحدَثه فيها عن قضية واحدة . قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر . ذلك الاسلوب القرآني يدعها في كل عرض جديدة ، حتى لكأنما يطرقها للمرة الأولى .
لقد كان يعالج القضية الأولى ، والقضية الكبرى ، والقضية الأساسية ، في هذا الدين الجديد.. قضية العقيدة.. ممثلة في قاعدتها الرئيسية.. الألوهية والعبودية ، وما بينهما من علاقة لقد كان يخاطب بهذه الحقيقة (الإنسان).. الإنسان بما أنه إنسان.. وفي هذا المجال يستوي الإنسان العربي في ذلك الزمان والإنسان العربي في كل زمان ، كما يستوي الإنسان العربي وكل إنسان . في ذلك الزمان وفي كل زمان!
إنها قضية (الإنسان) التي لا تتغير . لأنها قضية وجوده في هذا الكون وقضية مصيره .
قضية علاقته بهذا الكون وبهؤلاء الأحياء . وقضية علاقته بخالق هذا الكون وخالق هذه الأحياء . وهي قضية لا تتغير ، لأنها قضية الوجود والإنسان ..........

وهكذا انقضت ثلاثة عشر عاماً كاملة في تقرير هذه القضية الكبرى ، القضية التي ليس وراءها شيء في حياة الإنسان إلا ما يقوم عليها من المقتضيات والتفريعات .
ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التفريعات المتعلقة بنظام الحياة ، إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان ، وأنها استقرت استقراراً مكيناً ثابتاً في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان ، التي قدر الله أن يقوم هذا الدين عليها ، وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه هذا الدين .
وأصحاب الدعوة إلى دين الله ، وإلى إقامة النظام الذي يتمثل فيه هذا الدين في واقع الحياة ، خليقون أن يقفوا طويلا أمام هذه الظاهرة الكبيرة ، ظاهرة تصدي القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عاماً لتقرير هذه العقيدة ، ثم وقوفه عندها لا يتجاوزها إلى شيء من تفصيلات النظام الذي يقوم عليها ، والتشريعات التي تحكم المجتمع المسلم الذي يعتنقها .

لقد شاءت حكمة الله أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى لها الدعوة منذ اليوم الأول للرسالة ، وأن يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى خطواته في الدعوة بدعوة الناس أن يشهدوا : أن لا اله إلا الله ، وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق ، ويعبدهم له دون سواه . ولم تكن هذه - في ظاهر الأمر وفي نظرة العقل البشري المحجوب - هي أيسر السبل إلى قلوب العرب ! فلقد كانوا يعرفون من لغتهم معنى (إله) ومعنى : (لا إله إلا الله) .
كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا.. وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وأفراد الله - سبحانه - بها ، معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ، وردَه كله إلى الله .. السلطان على الضمائر، والسلطان على الشعائر، والسلطان على واقعيات الحياة ، والسلطان في المال ، والسلطان في القضاء ، والسلطان في الأرواح والأبدان .. كانوا يعلمون أن (لا اله إلا الله) ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية ، وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الإغتصاب ، وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله .. ولم يكن يغيب عن العرب - وهم يعرفون لغتهم جيداً ويعرفون المدلول الحقيقي لدعوة - (لا اله إلا الله)- ماذا تعني هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم ، ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة - أو هذه الثورة - ذلك الإستقبال العنيف ، وحاربوها تلك الحرب التي يعرفها الخاص والعام .. فَلِمَ كانت هذه نقطة البدء في هذه الدعوة ؟ ولم اقتضت حكمة الله أن تبدأ بكل هذا العناء؟ لقد بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين ، وأخصب بلاد العرب وأغناها ليست في يد العرب ، إنما هي في أيدي غيرهم من الأجناس !
بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم ، يحكمها أمراء عرب من قبل الروم ، وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس ، يحكمها أمراء عرب من قبل الفرس ، وليست في أيدي العرب إلا الحجاز وتهامة ونجد ، وما إليها من الصحاري القاحلة التي تتناثر فيها الواحات الخصبة هنا وهناك ! وربما قيل أنه كان فى استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين الذي حكَمه أشراف قريش من قبل في وضع الحجر الأسود ، وارتضوا حكمه ، منذ خمسة عشر عاماً قبل الرسالة ، والذي هو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسباً.. إنه كان في استطاعته أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثارات ومزقتها النزاعات ، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة.. الرومان في الشمال والفرس في الجنوب.. وإعلاء راية العربية والعروبة ، وإنشاء وحدة قومية في كل أرجاء الجزيرة .
وربما قيل : أنه لو دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة ، بدلا من أن يعاني ثلاثة عشر عاماً في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان فى الجزيرة .
وربما قيل : أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان خليقاً بعد أن يستجيب له العرب هذه الاستجابة ، وبعد أن يولَوه فيهم القيادة والسيادة ، وبعد استجماع السلطان في يديه ، والمجد فوق مفرقيه - أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعث بها ، في تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَدهم لسلطانه البشرى !
ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم ، لم يوجه رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا التوجيه ! إنما وجهه إلى أن يصدع بـ (لا اله إلا الله) ، وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب له كل هذا العناء . لماذا ؟
إن الله - سبحانه - لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه . إنما هو- سبحانه - يعلم أن هذا ليس هو الطريق ، ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي ، إلى يد طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت ! إن الأرض لله ، ويجب أن تخلص لله . ولا تخلص لله إلا أن ترفع كلمة (لا اله إلا الله) . وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي ، إلى طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت!
إن الناس عبيد لله وحده ، ولا يكونون عبيداً لله إلا أن ترتفع راية (لا إله إلا الله) ، لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته : لا حاكمية إلا الله ، ولا شريعة إلا من الله ، ولا سلطان لأحد على أحد ، لأن السلطان كله لله ، ولأن (الجنسية) التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة ، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله .
وهذا هو الطريق ..
***

وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين ، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا ًللثروة والعدالة . قلة قليلة تملك المال والتجارة ، وتتعامل بالربا فتتضاعف تجارتها ومالها ، وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع . والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة ، وجماهير كثيرة ضائعة من المال والمجد جميعاً !
وربما قيل : أنه كان في استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يرفعها راية إجتماعية ، وأن يثيرها حرباً على طبقة الأشراف ، وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ، ورد أموال الأغنياء على الفقراء! وربما قيل : أنه لو دعا يومها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الدعوة ، لانقسم المجتمع العربي صفين : الكثرة الغالبة مع الدعوة الجديدة في وجه طغيان المال والشرف والجاه ، والقلة القليلة مع هذه الموروثات ، بدلا من أن يقف المجتمع كله صفاً في وجه (لا إله إلا الله) التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس !
وربما قيل : أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان خليقاً بعد أن تستجيب له الكثرة، وتوليه قيادها ، فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها ، أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه ، وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَدهم لسلطانه البشرى .
لكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم ، لم يوجهه هذا التوجيه..
لقد كان الله - سبحانه - يعلم أن هذا ليس هو الطريق .. كان يعلم أن العدالة الإجتماعية لابد أن تنبثق في المجتمع من تصور إعتقادي شامل ، يرد الأمر كله لله ، ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة التوزيع ، ومن تكافل الجميع ، ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه سواء أنه ينفذ نظاماً شرعه الله ، ويرجوا على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء . فلا تمتلئ قلوب بالطمع ولا تمتلئ قلوب بالحقد ، ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا وبالتخويف والإرهاب ! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح ، كما يقع في الأوضاع التي تقوم على غير (لا إله إلا الله) .
***

وبُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل في جوانب منه شتى - إلى جانب ما كان في المجتمع من فضائل الخامة البدوية .
كان التظالم فاشيا في المجتمع ، تعبر عنه حكمة الشاعر(زهير بن أبي سلمى) :
و من لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدَّم، ومن لا يظلم الناس يُظلمِ

ويعبر عنه القول المتعارف في الجاهلية : (انصر أخاك ظالماً او مظلوماً).
وكانت الخمر والميسر من تقاليد المجتمع الفاشية ، ومن مفاخره كذلك يعبر عن هذه الخصلة الشعر الجاهلي بجملته....

وكانت الدعارة - في صور شتى - من معالم هذا المجتمع - شأنه شأن كل مجتمع جاهلي قديم أو حديث - كالتي روته عائشة رضي الله عنها .... أخرجه البخارى فى كتاب النكاح وربما قيل : أنه كان في استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يعلنها دعوة إصلاحية ، تتناول تقويم الأخلاق ، وتطهير المجتمع ، وتزكية النفوس .
وربما قيل : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان واجدا وقتها - كما يجد كل مصلح أخلاقى فى أية بيئة - نفوسا طيبة يؤذيها هذا الدنس ، وتأخذها الأريحية والنخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهر .
وربما قال قائل : أنه لو صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لاستجابت له - فى أول الأمر- جمهرة صالحة ، تتطهر أخلاقها ، وتزكوا أرواحها ، فتصبح أقرب إلى قبول العقيدة وحملها ، بدلاً من أن تثير دعوة (لا إله إلا الله) المعارضة القوية منذ أول الطريق . ولكن الله - سبحانه - كان يعلم أن ليس هذا هو الطريق !
كان يعلم أن الأخلاق لا تقوم إلا على أساس من عقيدة ، تضع الموازين، وتقرر القيم ، كما تقرر السلطة التي تستند إليها هذه الموازين والقيم ، والجزاء الذي تملكه هذه السلطة ، وتوقعه على الملتزمين والمخالفين .
وإنه قبل تقرير هذه العقيدة ، وتحديد هذه السلطة تظل القيم كلها متأرجحة وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك ، بلا ضابط ، وبلا سلطان، وبلا جزاء !
فلما تقررت العقيدة - بعد الجهد الشاق- وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة .. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده .. لما تحرر الناس من سلطان العبيد ومن سلطان الشهوات سواء .. لما تقررت في القلوب (لا إله إلا الله).. صنع الله بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون .. تطهرت الأرض من(الرومان والفرس).. لا ليتقرر فيها سلطان(العرب) . ولكن ليتقرر فيها سلطان(الله).. لقد تطهرت من سلطان(الطاغوت) كله.. رومانياً، وفارسياً، وعربياً ، على السواء . وتطهر المجتمع من الظلم الإجتماعي بجملته . وقام (النظام الإسلامي) يعدل بعدل الله ، ويزن بميزان الله ، ويرفع راية العدالة الإجتماعية باسم الله وحده ، ويسميها راية (الإسلام) . لا يقرن إليها إسماً أخر، ويكتب عليها : (لا إله إلا الله) !
وتطهرت النفوس والأخلاق ، وزكت القلوب والأرواح ، دون أن يحتاج الأمر حتى للحدود والتعازير التي شرعها الله - إلا في الندرة النادرة - لأن الرقابة قامت هناك في الضمائر ، ولأن الطمع في رضى الله وثوابه ، والحياة والخوف من غضبه وعقابه ، قد قاما مقام الرقابة ومكان العقوبات .
وارتفعت البشرية في نظامها ، وفي أخلاقها ، وفي حياتها كلها ، إلى القمة السامقة التي لم ترتفع إليها من قبل قط ، والتي لم ترتفع إليها من بعد إلا في ظل الإسلام .
ولقد تم هذا كله لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع و أحكام ، كانوا قد أقاموا هذا الدين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم ، في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك . وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدين وعداً واحداً، لا يدخل فيه الغلب والسلطان .. ولا حتى بهذا الدين على أيديهم .. وعداً واحداً لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا .. وعداً واحداً هو الجنة . هذا كل ما وعدوه على الجهاد المضني ، والابتلاء الشاق ، والمضي في الدعوة ، ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان في كل زمان وفي كل مكان،وهو:( لا إله إلا الله)!
فلما أن ابتلاهم الله فصبروا ، ولما أن فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم ، ولما أن علم الله منهم أنهم لا ينتظرون جزاء في هذه الأرض- كائناً ما كان هذا الجزاء ، ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم،وقيام هذا الدين في الأرض بجهدهم- ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجنس ولا قوم ، ولا اعتزاز بوطن ولا أرض ، ولا اعتزاز بعشيرة ولا بيت .. لما أن علم الله منهم ذلك كله ، علم أنهم قد أصبحوا- إذن- أمناء على هذه الأمانة الكبرى .. أمناء على العقيدة ، التي يتفرد فيها الله - سبحانه - بالحاكمية في القلوب والضمائر، وفي السلوك والشعائر، وفي الأرواح والأموال ، وفي الأوضاع والأحوال .. وأمناء على السلطان الذي يوضع في أيديهم ليقوموا به على شريعة الله ينفذونها ، وعلى عدل الله يقيمونه ، دون أن يكون لهم من ذلك السلطان شيء لأنفسهم، ولا لعشيرتهم، ولا لقومهم، ولا لجنسهم .
إنما يكون السلطان الذي في أيديهم لله ، ولدينه وشريعته ، لأنهم يعلمون أنه من الله ، هو الذي آتاهم إياه . ولم يكن شيء من هذا المنهج المبارك ليتحقق على هذا المستوى الرفيع ، إلا أن تبدأ الدعوة ذلك البدء . وإلا أن ترفع الدعوة هذه الراية وحدها.. راية لا إله إلا الله.. ولا ترفع معها سواها . وإلا أن تسلك الدعوة هذا الطريق الوعر الشاق في ظاهره ، المبارك الميسر في حقيقته . وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله ، لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية ، أو دعوة إجتماعية ، أو دعوة أخلاقية.. أو رفعت أي شعار جانب شعارها الواحد : (لا إله إلا الله) . ذلك شأن القرآن المكي كله في تقرير : (لا إله إلا الله) في القلوب والعقول ، واختيار هذا الطريق- على مشقته في الظاهر- وعدم اختيار السبل الجانبية الأخرى ، والإصرار على هذا الطريق . فأما شأن هذا القرآن في تناول قضية الاعتقاد وحدها ، دون التطرق إلى تفصيلات النظام الذي يقوم عليها ، والشرائع التي تنظم المعاملات فيها ، فذلك كذلك مما ينبغي أن يقف أمامه أصحاب الدعوة لهذا الدين وقفة واعية .
إن طبيعة هذا الدين هي التي قضت بها.. فهو دين يقوم كله على القاعدة الألوهية الواحدة .. كل تنظيماته وكل تشريعاته تنبثق من هذا الأصل الكبير.. وكما أن الشجرة الضخمة الباسقة ، الوارفة المديدة الظلال ، المتشابكة الأغصان ، الضاربة في الهواء .. لابد لها أن تضرب بجذورها في التربة على أعماق بعيدة ، وفي مساحات واسعة ، تناسب ضخامتها وامتدادها في الهواء .. فكذلك هذا الدين .. إن نظامه يتناول الحياة كلها ، ويتولى شؤون البشرية كبيرها وصغيرها ، وينظم حياة الإنسان - لا في الحياة الدنيا وحدها كذلك في الدار الآخرة ، ولا في عالم الشهادة وحده ولكن كذلك في عالم الغيب المكنون عنها ، ولا في المعاملات المادية الظاهرة وحدها ولكن كذلك في أعماق الضمير ودنيا السرائر والنوايا - فهو مؤسسة ضخمة هائلة شاسعة مترامية ، ولابد له إذن من جذور وأعماق بهذه السعة والضخامة والعمق والانتشار أيضاً..
هذا جانب من سر هذا الدين وطبيعته ، يحدد منهجه في بناء نفسه وفي امتداده ، ويجعل بناء العقيدة وتمكينها ، وشمول هذه العقيدة واستغراقها لشعب النفس كلها .. ضرورة من ضرورات النشأة الصحيحة ، وضماناً من ضمانات الاحتمال ، والتناسق بين الظاهر من الشجرة في الهواء والضارب من جذورها في الأعماق .

ومتى استقرت عقيدة : (لا إله إلا الله) في أعماقها الغائرة البعيدة ، استقر معها في نفس الوقت النظام الذي تتمثل فيه (لا إله إلا الله)، وتعين أنه النظام الوحيد الذي ترتضيه النفوس التي استقرت فيها العقيدة ، واستسلمت هذه النفوس ابتداء لهذا النظام ، حتى قبل أن تعرض عليها تفصيلاته ، وقبل أن تعرض عليها تشريعاته . فالإستسلام ابتداء هو مقتضى الإيمان .. وبمثل هذا الإستسلام تلقت النفوس - فيما بعد - تنظيمات الإسلام وتشريعاته بالرضى والقبول ، لا تعترض على شيء منه فور صدوره إليها ، ولا تتلكأ في تنفيذه بمجرد تلقيها له .. وهكذا أبطلت الخمر ، وأبطل الربا، وأبطل الميسر، وأبطلت العادات الجاهلية كلها.. أبطلت بآيات من القرآن ، أو كلمات من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينما الحكومات الأرضية تجهد في شيء من هذا كله بقوانينها وتشريعاتها ، ونظمها وأوضاعها ، وجندها وسلطاتها ، ودعايتها وإعلامها ،
فلا تبلغ إلا أن تضبط الظاهر من المخالفات ، بينما المجتمع يعج بالمنهيات والمنكرات * !..... .. والله يريد لهذا الدين أن يكون كما أراده .. عقيدة تملأ القلب ، وتفرض سلطانها على الضمير ، عقيدة مقتضاها ألا يخضع الناس إلا لله ، وألا يتلقوا الشرائع إلا منه دون سواه .. وبعد أن يوجد الناس الذين هذه عقيدتهم ، ويصبح لهم السلطان الفعلي في مجتمعهم ، تبدأ التشريعات لمواجهة حاجاتهم الواقعية ، وتنظيم حياتهم الواقعية كذلك .

هذا ما يريده الله لهذا الدين .. ولن يكون إلا ما يريده الله ، مهما كانت رغبات الناس ! كذلك ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين ، يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة - حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين ، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون ! - يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو(أولا) إقرار عقيدة (لا إله إلا الله) - بعدلها الحقيقي ، وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله ، وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم ، إقرارها في ضمائرهم وشعائرهم ، وإقرارها في أوضاعهم وواقعهم ..
ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام ، كما كانت هي أساس دعوتهم إلى الإسلام أول مرة .. هذه الدعوة التي تكفل بها القرآن المكي طوال ثلاثة عشر عاماً كاملة .. فإذا دخل في هذا الدين - بمفهومه هذا الأصيل - عصبة من الناس .. فهذه العصبة هي التي يطلق عليها اسم (المجتمع المسلم) .. المجتمع الذي يصلح لمزاولة النظام الإسلامي في حياته الاجتماعية ، لأنه قرر بينه وبين نفسه أن تقوم حياته كلها على هذا الأساس ، وألا يحكم في حياته كلها إلا الله .
وحين يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ عرض أسس النظام الإسلامي عليه ، كما يأخذ هذا المجتمع نفسه في سن التشريعات التي تقتضيها حياته الواقعية ، في إطار الأسس العامة للنظام الإسلامي ..
فهذا هو الترتيب الصحيح لخطوات المنهج الإسلامي الواقعي العملي الجاد .

ولقد يخيل لبعض المخلصين المتعجلين ، ممن لا يتدبرون طبيعة هذا الدين ، وطبيعة منهجه الرباني القويم ، المؤسس على حكمة العليم الحكيم وعلمه بطبائع البشر وحاجات الحياة .. نقول : لقد يخيل لبعض هؤلاء أن عرض أسس النظام الإسلامي - بل التشريعات الإسلامية كذلك - على الناس ، مما ييسر لهم طريق الدعوة ، ويحبب الناس في هذا الدين !
وهذا وَهْمٌ تنشئه العجلة ! وَهْمٌ كالذي كان يمكن أن يقترحه المقترحون : أن تقوم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولها تحت راية قومية ، أو راية اجتماعية ، أو راية أخلاقية ، تيسيراً للطريق !
إن القلوب يجب أن تخلص أولاً لله ، وتعلن عبوديتها له وحده ، بقبول شرعه وحده ، ورفض كل شرع آخر غيره .. من ناحية المبدأ.. قبل أن تخاطب بأي تفصيل عن ذلك الشرع يرغبها فيه!
إن الرغبة يجب أن تنبثق من إخلاص العبودية لله ، والتحرر من كل سلطان سواه ، لا من أن النظام المعروض عليها في ذاته .. خير مما لديها من الأنظمة في كذا وكذا على وجه التفصيل .
إن نظام الله خير في ذاته ، لأنه من شرع الله .. ولن يكون شرع العبيد يوماً كشرع الله .. ولكن هذه ليست قاعدة الدعوة . إن قاعدة الدعوة أن قبول شرع الله وحده أيَّاً كان ، هو ذاته الإسلام ، وليس للإسلام مدلول سواه ، فمن رغب في الإسلام ابتداء فقد فصل في القضية ، ولم يعد بحاجة إلى ترغيبه بجمال النظام وأفضليته .. فهذه إحدى بديهيات الإيمان ! انتهى كلامه
أضف رد جديد