كم إلها تعبد ؟!!

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

كم إلها تعبد ؟!!

مشاركة بواسطة الناسخ »

أبو الفضيل
18-01-2011





كم إلها تعبد؟




بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

يقول الحق تبارك وتعالى: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزخرف:82 - 85)

وقال ربنا جل وعلا: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ) (الناس:1 :2 :3)

إذا كان الله عز وجل هو خالق السموات والأرض، ورب السموات والأرض، وله ملك السموات والأرض ، وهو الإله المعبود في السماء والأرض ، فمن يستحق يعبده من في السموات والأرض سواه؟!

إذا كان الله هو خالق الناس وهو رب الناس وهو ملك الناس وهو إله الناس ، فمن يستحق أن يُعبد سواه؟

فانظر لنفسك يا عبد الله : كم إلها تعبد؟

إذا كان الله عز وجل هو خالقك وربك ومالكك وإلهك ، فمن سواه يستحق أن تكون له عبدا ؟!

هذه الحقيقة يشعر كثير من الناس أنها مسلمة بديهية لا تحتاج إلى كثير من التأمل والتفكير ، ولكن انظر إلى هؤلاء الذين يؤمنون بأن الله هو خالقهم وخالق السموات والأرض، وهو ربهم ورب السموات والأرض، ومالكهم وله ملك السموات والأرض ، وإلههم وإله السموات والأرض ، تجدهم كما وصفهم الله : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106) مشركون يعبدون مع الله آلهة أخرى ويصرفون عبوديتهم لغير الله.

فهل يمكن أن يتخيل عاقل أن الله الذي تفرد بالخلق والربوبية والملك لا يتفرد بألوهية من خلقهم ورباهم وملكهم؟!

سبحان الله وتعالى عما يشركون

يؤمنون بوحدانية الله في خلقه وربوبيته وملكه ولا يؤمنون بوحدانيته في ألوهيته ، هذا حال أكثر أهل الأرض اليوم سواء من ينتسبون للإسلام أو النصارى أو اليهود أو الذين لا ينتسبون لأي دين سماوي.

ومع هذا الشرك الظاهر والآلهة المتعددة لو قلت لأحدهم: كم إلها تعبد؟ لأجابك: أعبد إلها واحدا ، فهل حقا لا يعبد إلا إلها واحدا ؟ هل هو حقا من الموحدين؟ أم أنه لا يعرف ما هو التوحيد؟ وما الإله؟ وما هي العبادة؟
كم إلها تعبد؟


هذا السؤال هو أخطر قضية يجب أن يشغل تفكير هذا الإنسان الذي أقر بأن له خالقا واحدا وربا واحدا ومالكا واحدا ، هذا الإنسان الذي صعد أول درجات سلم المعرفة وأيقن أن له ربا واحدا خالقا مالكا هو الله جل جلاله ، يجب عليه أن يفكر لماذا خلقني الله؟ وما حقه علي؟ وقد خلقني ورزقني ورباني وسخر لي ما في السموات والأرض وأنزل لي من السماء ماء عذبا زلالا أنبت به من الأرض حدائق ذات بهجة أطعمني منها رزقا طيبا ثمرات مختلفا ألوانها ، وخلق لي أنعاما مختلفا أشكالها ، أطعمها من نبات الأرض ورزقني لحمها ولبنها وصوفها وذلل لي ظهرها.
ألا يستحق من تفرد بخلقي وملكي ورزقي ونفعي وضري وحياتي وموتي أن يكون وحده إلهي الذي له خالص عبادتي ؟!





ألا يستحق من أسبغ علي نعمه وأغدق علي فضله أن أكون له عبدا مخلصا شكورا ؟!

ألا يستحق من إليه وحده سيكون مصيري بعد موتي أن أطيعه فيما يأمرني وأكون له كما يريد مني؟!

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *} [النمل : 59 - 64]

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (القصص:71 :72)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام:46)

(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية164)

(وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يّـس:22 - 25)

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } [الشعراء : 78 - 82]

(رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)(الكهف: من الآية14)
كم إلها تعبد؟!!



هل تعرضت لهذا السؤال من قبل في هذه الحياة؟!! هل سألت نفسك مرة هذا السؤال؟!!

ربما لم يخطر حتى ببالك؟!!

ولعلك تقول: ولماذا يوجه إلي هذا السؤال وأن دائما أقول لا إله إلا الله ولا أعبد إلا الله ؟!!

نعم لا أحد يوجه إلينا هذا السؤال في الدنيا ، ولو حدث وسألنا أحد هذا السؤال لكان الجواب فورا : نعبد إلها واحدا.
فهل نحن صادقون في هذا الجواب ؟ أم أنه مجرد أماني كاذبة ؟




أقوالنا وأعمالنا شاهدة علينا وهي أصدق دليل على ذلك ، وكثير ما هم الذين تكذب أعمالهم أقوالهم.

قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا * وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء : 123 - 125]

إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقَر في القلوب وصدقته الأعمال.

كانت قريش ومن حولها من العرب والنصارى واليهود كل منهم يقول نحن على حق ، نحن على ملة إبراهيم ، نحن نعبد الله ولم نكفر بالله ولا بملة إبراهيم، وإذا نظرنا إلى حقيقة ما هم عليه وجدناهم كفارا لا يوحدون الله ولا يتبعون رسله ، وقد فارقوا جميعا ملة إبراهيم.

فهل صدقهم الله عز وجل في قولهم أنهم على حق وعلى ملة إبراهيم؟

كلا ، بل اعتبر قولهم هذا مجرد زعم كاذب وأماني باطلة لا تغني عنهم شيئا ولا تنفعهم عند الله أبدا.

قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67)

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )(المائدة: من الآية68)

(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون : 1 – 6)

فهل يصح أن نقول مادامت قريش والنصارى واليهود يعتقدون أنهم على حق وعلى ملة إبراهيم فهم على ملة إبراهيم حتى وإن كانوا يكفرون ويشركون بالله؟!!

لا شك أن هذا لايصح أبدا ؛ لأن ملة إبراهيم هي التوحيد والتوحيد ضد الشرك ولا يجتمع معه أبدا ، فالذي يشرك بالله لا يوحده ، ويستحيل عقلا وشرعا أن يسمى موحدا مع شركه بالله.

فالأمور إذا بحقائقها لا بمظاهرها المخالفة للحقيقة ، ولا عبرة بقول يشهد الفعل ببطلانه.

فانظر يا عبد الله في قولك وعملك وباطنك وظاهرك هل صدقا لا تعبد إلا إلها واحدا؟!!

إن هذا السؤال قد لا تُلقي له أهمية اليوم ، ولكن هل علمت أن لك يوما سوف تسأل فيه هذا السؤال ؟!

أتدري متى هذا اليوم؟!!

إنه اليوم الذي تفارق فيه الدنيا ، يوم يُدخلك أحبابك في حفرة من الأرض ، ويهيلوا عليك التراب ويتخلى عنك الأصحاب.

وهل تدري من سيسألك؟!!

إنهما ملكان أسودان أزرقان ، يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن شعورهما ، صوتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، معهما مرزبة من حديد لو ضرب بها على جبل صار ترابا.

سوف يسألانك عما كنت تعبده في حياتك الدنيا وعما تدين به ، فتخيل هذه اللحظة وكيف سيكون جوابك.

فمن كان في الدنيا صادقا مع الله فسوف ينفعه صدقه ويثبته ربه ، ويقول كنت أعبد الله وحده لا أشرك به شيئا.

وأما أكثر الناس فلن يهتدوا للجواب ولن يوفقوا للصواب لأنهم لم يكونوا في الدنيا صادقين مع الله وكانت أعمالهم وبواطنهم تخالف أقوالهم ، وسيقولون هاه هاه لا ندري.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له ما كنت تعبد؟ فإنْ الله هداه ، قال كنت أعبد الله فيقول له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول هو عبد الله ورسوله فما يسأل عن شيء بعدها فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له هذا كان لك ولكن الله عصمك فأبدلك به بيتا في الجنة فيراه فيقول دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له اسكن . قال وإن الكافر أو المنافق إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له ما كنت تعبد؟ فيقول لا أدري فيقال لا دريت ولا تليت فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول كنت أقول ما يقول الناس فيضربه بمطراق بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين . رواه أبو داود والنسائي وأحمد والمنذري في الترغيب والترهيب

وسوف يُكرر عليك السؤال مرة أخرى ، يسألك الجبار جل جلاله يوم يقوم الناس لرب العالمين. قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر:92 :93)

قال البخاري: قال عِدَّةٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ في قَوْلِهِ تَعَالَى (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) عن قَوْلِ لَا إِلَهَ إلا الله.

قال أبو العالية: يُسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عما كانوا يعبدون وعما أجابوا المرسلين.

فالسؤال إذا له أهميته وعليه مدار حياتك وهو الذي يحدد مصيرك ، فكن صادقا في جوابه الآن لتكون في الآخرة مع الصادقين ، وانظر كم إلها تعبد؟

نتوجه بهذه الكلمات إلى كل عاقل يطلب معرفة حقائق الأمور ببرهان ساطع وحجة دامغة، ويأنف أن يُسلم قياده لغيره ممن هم مثله يحددون له قناعاته واعتقاداته وتصوراته .. عاقل يريد أن يحدد طريقه ويعرف مصيره .. فقد طمست في هذه الأيام حقائق كثيرةوبقيت أسماؤها، فالأسماء موجودة والحقائق مفقودة ، وعما قليل ينكشف الغطاء، وتظهر الحقائق، وتبلى السرائر ، ويقول أكثر الأنس والجن : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) يقول الله عز وجل: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ). ويقولون: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ).

فمن الآن :

عليك أن تعرف من الذي يستحق أن يكون إلهك ومعبودك؟ وكيف تكون عابدا له وحده دون سواه؟

عليك أن تعرف التوحيد وما يضاده؟ والشرك وأنواعه؟

عليك أن تعرف كيف تكون مسلما يشهد أنه لا إله إلا الذي فطره وسوَّاه؟
عليك أن تعرف كيف تكون صادقا في قولك لا أعبد إلا الله؟

كيف يُعبد من دون الله من لم يخلق مع الله شيئا ولا يملك ضرا ولا نفعا؟!!



لا أحد يستحق أن يكون إلها إلا خالق السموات والأرض وما بينهما ورب كل شيء ومن بيده ملكوت كل شيء وهو الله الواحد القهار.

يقول الحق تبارك وتعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [الرعد : 14 - 16]

دعوة الحق هي لا إله إلا الله، فلله عز وجل وحده الألوهية على خلقه أجمعين (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) ، لا تنبغي لأحد غيره ، لا ينبغي أن يتخذ الناس إلها غير خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبر أمورهم ، فالمتفرد بالخلق والملك والتدبير حقيق بأن يتفرد بالألوهية على عباده ويكون إلها لخلقه أجمعين ، فهو الذي يستجيب دعاءهم ويعطيهم سؤلهم لأنه هو الذي يملك النفع والضر .. حقيق على جميع العباد بأن يتوجهوا إليه بالدعاء والعبادة ولا يشركوا معه أحدا ولا يتخذوا من دونه إلها ، فالعبادة إذا كانت لله فهي الحق وإن كانت لغيره فهي الباطل ولا تفيد صاحبها شيئا.

وجميع الآلهة التي يدعونها المشركون ويعبدونها من دون الله لا تصح أن تكون إلها، فهي لا تجيبهم بشيء يريدونه من جلب نفع أو دفع ضر ؛ لأنها لم تخلق شيئا ولا تملك ضرا ولا نفعا ، لا تملك لنفسها ولا لغيرها رزقا ولا صحة ولا سقما ولا سعادة ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، إن أراد خالقهم وربهم ومالكهم بهم ضرا لا يكشفه عنهم أحد غيره ، وإن أراد بهم نفعا ورحمة لا يمنعه أحد ولا يحول بينه وبين وصوله إليهم شيء ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38)

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2)

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (النحل:73)



هؤلاء المشركون الذين يلجئون لغير الله وهو مخلوق ضعيف فقير محتاج مثلهم لا يملك لهم شيئا ، يدعونه ويستغيثون به ويطلبون منه ما لا يقدر عليه إلا الخالق المالك الواحد القهار ، مثَلُهم كمثل رجل عطشان بسط يديه إلى الماء ليصل الماء إلى فمه بمجرد دعائه إياه وإشارته إليه بكفيه مبسوطتين ، ولن يصله شيء حتى يموت عطشا ، والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء.

فهذا الذي يدعو من لا يسمعه ولو سمعه ما استجاب له كمن يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده ليصل إلى فمه فيرتوي ، فلا الماء يسمع دعاءه ولا هو قادر على أن يرتفع إلى فمه ، فما يستفيد الكافر من دعاء غير الله إلا كما يستفيد العطشان من مخاطبة الماء وبسط يديه إليه. فسبحان الله وتعالى عما يشركون.

من يلجأ إلى الله ويرفع إليه حوائجه ويستمد منه العون والغوث والتوفيق ، ويدعوه لكشف الضر ورفع السوء ، ويرجوه لجلب المنافع وتحصيل المصالح ، فقد دعا من يملك نفعه وضره لأنه هو الذي خلقه وخلق ما ينفعه ويضره فحقيق أن يستجاب له ويجد عند الله سؤله وحاجته وينفعه دعاؤه في الدنيا والآخرة.

وأما دعاء الكافرين غير الله من الأوثان والأصنام التي لم تخلق شيئا ولا تملك نفعا ولا ضرا فلا يغني عنهم شيئا ولا يستفيدون منه مثقال ذرة في الدنيا ولا في الآخرة ، بل يضل عنهم أحوج ما كانوا إليه ، ويوم يرجعون جميعا إلى الله يتبرأ المدعو من الداعي ويضل عنه ولا يشفع له ولا ينجيه من عذاب الله.

(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً) (الاسراء:67)

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأنعام:40)

كيف يتخذ الناس معبودا لهم غير الله وهم يرون أن كل شيء في السموات والأرض خاضع منقاد ذليل مستسلم لخالقه ومدبِّره ومالكه.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (الرعد:15)

(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83)

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) (الروم:26).

لو تأمل هذا المشرك الذي لجأ لغير الله داعيا مستغيثا مستعينا متضرعا ذليلا .. لو تأمل في نفسه لوجدها خاضعة متذللة لمن خلقها وأوجدها وصورها ، ساجدة لربها رغم أنفه.

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} [عبس : 17 - 32]

ولو تأمل هذا المشرك في حقيقة من لجأ إليه داعيا مستغيثا مستعينا مستعيذا متضرعا ذليلا راجيا نفعه خائفا ضره مؤملا شفاعته ، لوجده أيضا خاضعا منقادا متذللا ساجدا لجبروت الله وقدرته وسلطانه ، لم يخلق مع الله شيئا ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ولا حول له ولا قوة.

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأعراف:194)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73)

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3) .

هؤلاء المشركون الذين اتخذوا من مخلوقات الله الضعيفة المقهورة المستعبدة مِثلهم آلهة لهم يعبدونها من دون الله ويجعلونها شركاء لله .. لو سألت هؤلاء السفهاء :

من خلق السموات والأرض وخلق كل شيء ؟

من رب السموات والأرض ورب كل شيء ؟

من له ملك السموات والأرض وملك كل شيء ؟

لأجابوا جوابا واحدا هو الله وحده!!

فما بالهم يشركون معه غيره؟!!

(أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (الأعراف:191)

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17)

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31)

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3)

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام:102)

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر 13 :14) (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (الأعراف 194 :195) .

ولهذا قال الله عز وجل: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) .

يعرف الكفار أن الله هو رب السموات والأرض وخالقهم وخالق آلهتهم ويؤمنون بذلك إلا أن هذا العلم والإيمان لم يستفيدوا منه ولم يبصروا به قُبح ما وقعوا فيه من ضلال باتخاذهم معبودات مع الله لا تملك لأنفسها نفعا تجلبه إلى نفسها ولا ضرا تدفعه عنها ، وهي إذ لم تنفع نفسها ولم تدفع الضر عنها فكيف تنفع غيرها وتدفع عنهم الضر ، عبدوها مع الله وتركوا عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها. مثل هؤلاء الجهال كمثل الأعمى الذي حُرم نعمة البصر فصار لا يفيده ضوء النهار لمعرفة طريقه إلا أن يقوده بصير فينقاد له ويتبعه ، وهؤلاء المشركون الجهلة لم يستفيدوا من إيمانهم بربوبية الله ليبصروا ضلالهم عن الصراط المستقيم باتخاذ شركاء مع الله المتفرد بالخلق والملك والتدبير ، فهم في ظلمات شركهم يتخبطون.

أما الموحد الذي جعل من معرفته بربه وأنه هو رب كل شيء ومليكه دليلا وبرهانا على أنه لا إله إلا الله الواحد القهار ، فصار يعبده وحده لا يشرك به شيئا ولا يتخذ من دونه إلها ، فمثله كمثل البصير الذي يستفيد بصره من الضوء ويعرف به طريقه فيسلكها واثقا مطمئنا ، يرتع في أنوار الهدى ويقطع المراحل إلى الله مؤمنا به منيبا إليه مستسلما له وحده راجيا ثوابه خائفا عقابه يطلب الزلفى إليه وحده.

فكما أن الظلمات تضيع فيها ملامح الطريق فلا تُرى فيها المحجة فتُسلك ولا يُرى فيها السبيل فيُركب كذلك الكفر والشرك يحول بين صاحبه وبين معرفة الحق وسلوكه.

أما النور فهو الذي تُبصَر به الأشياء ويجلو ضوءه الظلام ، ويعطي صاحبه الثقة والطمأنينة ، كذلك بالتوحيد تُعرف تفاهات الباطل وضلالات الجاهلية وقبح الشرك.

فما الذي جعل المشركين يقيمون على شركهم ولا يفيقون من ضلالهم؟

لماذا لا يتفكرون في خلقهم وخلق من حولهم؟

أيشكون في أن الله هو خالق السموات والأرض وربهم ومليكهم؟

أم أنهم اتخذوا لله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله فالتبس عليهم خلق الله وخلق آلهتهم فعبدوها مع الله لأنها تخلق كخلقه فتستحق العبادة معه إذ لا فرق بين خالق وخالق؟

(أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد: من الآية16)

(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) (فاطر:40)

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) (سـبأ:22)

ولكنهم اتخذوا من دون الله شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق ، فضلاً أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق.

اتخذوا من دون الله شركاء من مخلوقاته لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3)

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل:20 :21)

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (الاسراء:56)

وهم يعرفون حقيقة آلهتهم التي يشركونها مع الله ، ويوقنون بأنها لا تخلق ولا ترزق ، ولا تحيي ولا تميت ، ولا تنفع ولا تضر بنفسها ، ولا تملك مع الله شيئا ، ولكنهم لا يرون أي حرج في اتخاذها آلهة من دون الله وشركاء له في العبادة ، بل إنهم يَعُدُّون شركهم هذا قربة إلى الله ، وذلك لجهلهم بالله وما ينبغي في حقه من التوحيد وإخلاص العبادة والطاعة والولاء له وحده دون سواه ، ولو تأملوا فيما اتخذوه آلهة مع الله لعلموا أنها لا تستحق من العبادة شيئا ، ولو أنصفوا لما عبدوا غير خالقهم وربهم ومليكهم ، ولو تفكروا لعرفوا قبح شركهم وتسويتهم مخلوقا عاجزا ضعيفا بالله الخالق الواحد القهار.

فكيف يساوُون الله بعبيده ويجعلونهم شركاء له وهم يأنفون أن يساوَوْن بخدمهم وعبيدهم؟!!

(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم:28)

هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه وعبيده .

إذا كان أحدكم لا يرضى أن يكون مملوكه شريكا له في ماله وزوجه وما يملك فكيف تجعلون لله شركاء من خلقه وعبيده وتعدلونهم بالله الواحد القهار وتعبدونهم معه.

كيف تجعلون شركاء لله من خلقه وتصرفون لهم نصيبا من العبادة وأنتم تشهدون أنهم عبيد الله تحت ملكه وسلطانه؟!!

كيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟!!

(وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (النحل:71)

فهم لا يرضون بأن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقهم الله سواء وقد جعلوا عبيد الله وخلقه شركاء لله في ملكه وسلطانه.

فإذا كانوا لا يرضون أن يكون عبيدهم شركاء معهم في أموالهم ونسائهم فكيف يجعلون من عبيد الله شركاء له في ألوهيته؟!!

كيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم ويرونه عيبا ومنقصة ؟!!

فإن لم يرضوا لأنفسهم هذا فالله أحق أن ينزهوه عنه من أنفسهم ولا يعدلوا بالله أحدا من عباده وخلقه.

هذه هي حقيقة الشرك وصورته القبيحة الشنيعة يعرفها كل عاقل منصف ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وفي سكرتهم وغفلتهم يعمهون وفي ظلمات شركهم يتخبطون.

فهل وحّد الله من آمن بأنه لا خالق ولا رازق ولا مالك ولامحيي ولا مميت إلا الله ولكنه مع ذلك جعل العبادة لغير الله؟

لا والله ، ما وحَّده ولا آمن به ولا عرف قدره من ساواه بمخلوق من مخلوقاته.

ولا يوحده ويؤمن به ويعرف قدره إلا من نزهه عن الشريك والمثيل والند والصاحبة والولد.

فمن عرف ربه حق المعرفة أيقن أنه لا يكون موحدا لله بمجرد إيمانه بأنه لا خالق إلا الله ، ولا مالك إلا الله ، ولا رازق إلا الله ولا محيي ولا مميت إلا الله ، بل لابد مع هذا كله ألا يتخذ من دونه إلها ، وألا يجعل له شريكا ، وأن يتوجه بالعبادة والطاعة والولاء له وحده.

هذا هو الذي يؤمن بالله ولا يعبد إلا إلها واحدا.

فانظر لنفسك كم إلها تعبد؟

لا يملك أحد مع الله شيئا ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه



الإيمان بأن الله خالق كل شيء يتبعه الإيمان بأن الله له كل شيء وأنه رب كل شيء ، فمن أقر بأن خالقه وخالق السموات والأرض واحد يلزمه أن يقر بأن مالكه ومالك كل شيء واحد ، ويلزمه أيضا أن يعترف بأنه عبد لله وأن كل من في السموات والأرض عبيده وتحت قهره وسلطانه ، وأن هذا الخالق المالك هو رب كل شيء لا شريك له ، فالخلق والملك قرينان لا ينفكان عن بعضهما ، فكما أنه لا شيء يخرج عن خلق الله كذلك لا شيء يخرج عن ملكه ، فما من شيء إلا خلَقه الله وما من شيء إلا وملكه بيد الله.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1)

(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يّـس:83)

فالله عز وجل هو خالق كل شيء وله كل شيء وهو رب كل شيء ، لا شريك له في الخلق ولا شريك له في الملك والسلطان ، ولا شيء أصح في الفطر والعقول من هذا . فسبحان الله وتعالى عما يشركون.

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (الإسراء:111)

وما من شيء في السموات والأرض كبيرا أو صغيرا إلا خاضعا لله وحده منقادا لجبروته وسلطانه.

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) (الروم:26)

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الاسراء:44)

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (الرعد:15)

(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الزمر 62 :63)

ولا ينكر المشركون أن الله عز وجل هو خالق كل شيء ورب كل شيء ، ولكنهم مع هذا الاعتراف لله بوحدانيته في خلقه وملكه وربوبيته يلجئون لمخلوق مثلهم لايملك لهم رزقا ولا نفعا ولا ضرا ولا أي شيء ، ويجعلونه إلها لهم من دون الله وشريكا لخالقهم ورازقهم ، وقد علموا أنه لا شريك له في خلقه و لا في ملكه ولا في ربوبيته فكيف يصح أن يكون له شريك في ألوهيته.

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 84 - 91]

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس :31 :32)

فما الذي دعا المشركين لأن يجعلوا مع الله إلها غيره وهم يقرون بأن الخلق والملك والأمر كله لله ، والرزق كله من الله ، الذي خلق الموت والحياة ، وسخر لهم ما في السموات والأرض ، ووهب لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وكل ما يملكون من شيء فمن الله وحده ؟!

من ذا الذي ينصرهم من دون الله؟ أو يرزقهم إن أمسك عليهم رزقه؟ أو يعطيهم إن حرمهم الله؟ أو يكشف عنهم السوء ويدفع عنه البلاء غير الله؟

(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (الملك:20 :21)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30)

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الروم:40)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر:3)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام:46)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (القصص: 71 :72)

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة : 58 - 74]

(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيب مُجِيبٌ)(هود: من الآية61)

ما الذي يريده المشركون من عبادة مخلوق ضعيف عاجز لا يملك لهم ضرا ولا نفعا؟!

أي فائدة تُرجى من عبادة وتأليه من لا يخلق ولا يملك شيئا ولا يقدر على شيء إلا بإذن الله؟!

كيف استقام في عقول القوم أن يجعلوا لله شريكا من عبيده وخلقه وأن يساووا الله بمخلوق من مخلوقاته؟! كيف استقام عندهم أن يعبدوا مخلوقا مثلهم لا يملك لهم ضرا ولا نفعا؟!

كيف صح في أذهانهم أن يألهوا عبدا مملوكا مثلهم ويشركوه بالله الواحد القهار؟!

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ * فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل:72: 73 :74)

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة:76)

(أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً) (طـه:89)

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً)(الرعد: من الآية16)

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً) (الفرقان:55)

(قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء:66 :67)

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (الإسراء:56)

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:17)

لاشيء مما يعبده المشركون يستحق أن يكون إلها مع الله.

ولا شيء يستفيده المشركون من عبادة غير الله واتخاذهم إلها وشريكا مع الله لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا غضب الله ومقته وعقابه.

ولا مبرر لهم لتأليه غير من اعترفوا بوحدانيته في الخلق والملك والتدبير والرزق والنفع والضر.

ولا سلطان لهم ولا حجة ولا برهان يستندون عليه لتصحيح شركهم والاقتناع بباطلهم.

وما يتبع هؤلاء المشركون في شركهم إلا الظن وما تهوى أنفسهم وما وجدوا عليه آباءهم الضالين.

قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) (النجم : 19 – 23)

(أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (الروم:35)

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الانبياء:24)

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (الحج:71)

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم : 28 - 29]

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) (فاطر:40)

(قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (يونس:68)

لقد زُين لكثير من الناس أن هذه الآلهة والشركاء التي يعبدونها مع الله ليست استنقاصا في حق الله ، ولا حطّاً من قدره سبحانه ، ولا تسوية وتشيبها له بخلقه ، فهم لم يساووها بالله في كل شيء ، بل هي عندهم أقل قدرا منه ، وظنوا إنها لا تجلب عليهم غضب الله وسخطه وعقابه ، بل تسترضي الله عنهم وتقربهم إليه زلفى ، وهذه الأسباب التي يتعلقون بها كلها منقطعة عنهم ولا تبرر شركهم.

فهم لا يرضون أن يساويهم أحد بعبيدهم وخدمهم في أبسط الأشياء فكيف يرضون هذا لله؟!

كيف يرضون أن يجعلوا العبادة شركة بين الله وبين عبد من عبيده ، ولا يعتبرون هذا منقصة في حق الله؟

كيف يلجئون لمخلوق مثلهم يطلبون منه مالا يقدر عليه إلا الله ولا يعتبرون هذا حطاً من قدر الله وسوء ظن به وتشبيها له بخلقه؟

كيف يدَّعون أنهم يتقربون إلى الله بعبادة آلهة من خلقه وعبيده ، ولو أنك أهديت لأحدهم هدية وأهديت مثلها لخادمه لاعتبرها استنقاصا في حقه أن ساويته بخادمه؟!

كيف يتقربون إلى الله بما تشهد العقول بقبحه وشناعته؟

كيف يتقربون إليه بأشد الأشياء إليه بغضا؟!

ألا يعرفون أنه لا يُتقرب إلى أحد إلا بما يحبه ويرضاه؟!

ألا يعرفون أن العبد الذي يخلص لسيده ومولاه خير من العبد الذي يعصي سيده ويطيع غيره؟!

من أين لهم أن الله يحب أن يتخذ الناس من عبيده شركاء له؟!

من أين لهم هذا العلم؟! من جاءهم من الله بذلك؟! من أخبرهم به؟! من أي كتاب أخذوه؟!

إن يتبعون إلا ظنونهم الكاذبة وأهواءهم الفاسدة وقد جاءتهم الرسل من الله بعكس ذلك ، تأمرهم بتوحيد الله وألا يشركوا معه شيئا، وما من أمة إلا جاءها رسول من الله يقيم عليهم حجته ويريهم بطلان ما هم عليه.

لا حجة لمن يتخذ من دون الله آلهة يتعبد لها كي تقربه من ربه وتشفع له عنده ، إن كان حقا يريد التقرب إلى الله فليعبد الله وحده من غير واسطة ولا شفيع هو خير له ، وإن كان حقا يريد ما عند الله فليطلبه منه مباشرة ويرجوه بالتعبد له وحده من غير واسطة فلم يجعل الله بينه وبين خلقه وسائط ولا شفعاء تدخلهم عليه ويتقربون بعبادتها إليه ، وإن كان يخاف الله حقا فليتقه بطاعته والاستسلام له وحده وعدم الإشراك به وعدم معارضته في شيء.

قال الله تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر:3)

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3)

ربكم الذي لا تنبغي العبادة إلا له هو الذي خلق السماوات والأرض وانفرد بخلقها بغير شريك ولا ظهير، وتولى تدبير أمر عباده أجمعين لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، ولا يشفع عنده شافع في أحد إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة، فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته وأخلصوا له العبادة وأفردوا له الألوهية والربوبية دون أوثانكم وسائر ما تشركون.

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4)

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف:86)

(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109)

فالشفاعة كلها لله ولا تطلب إلا منه وحده ، وليس أحد قادر على أن يشفع عنده إلا بإذنه.

قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر:43 :44)

لله عز وجل سلطان السماوات والأرض وملكهما ، وما يعبده المشركون من دون الله ملك له أيضا ، فليعبدوا الملك الذي يقدر على نفعهم وضرهم في الدنيا وبعد الموت عند رجوعهم إليه ، ولْيتركوا عبادة المملوك الضعيف الذي لا يقدر على جلب نفع أو دفع ضر إلا بإذن الله ، ولا يملك الشفاعة عند الله ؛ لأن الشفاعة لله وحده يعطيها من يشاء فيشفعون من بعد إذنه لمن يريد الله أن يشفعوا له.

فمن ذا الذي يقدر أن يشفع عند الله في أحد إلا أن يأذن الله له في ذلك؟!

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (النجم:26).

فإذا كانت الشفاعات لا تنفع عند الله أحدا إلا لمن أذن الله له في الشفاعة ، ولم يجعل الله لأحد من خلقه شيئا من الشفاعة إلا بعد أن يأذن الله له أن يشفع فيمن يريد الله أن يشفع فيه ، فمن الذي أخبرهم أن معبوداتهم تستطيع أن تشفع لهم عند الله؟! من أين لهم العلم بذلك؟!

قال الله عز وجل: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)

أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؟!

أتخبرون الله أن ما لايشفع في السماوات ولا في الأرض يشفع لكم عنده؟!

أتخبرون الله أن له شريكا وعنده شفيعا بغير إذنه ولا يعلم الله لنفسه شريكا في السموات ولا في الأرض ولا شفيعا من دونه؟!

بل قولهم هذا باطل لا تُعلم حقيقته وصحته ، ولا تشفع آلهتهم لأحد ولا تنفع ولا تضر.

ومن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذه وليا أو شفيعا أنه يشفع له وينفعه عند الله ، كما يشفع المقربون للملوك في الدنيا للناس عند ملوكهم ، ولم يعلموا أن الشفاعة لله جميعا ، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله ، والله لا يرضى أن يُشرك معه أحد ، ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسله.

وقد قطع الله كل الأسباب التي تعلق بها المشركون جميعا قطعا تاما ، فقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (سـبأ:22 :23)

نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون ، فنفى أن يكون لغيره ملك شيء معه ، أو يكون شريكا له في ملك شيء ، أو يكون عونا لله في تدبير شيء من خلقه ، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لاتنفع إلا لمن أذن له الرب سبحانه وتعالى ، فهذه الشفاعة التي يرجوها المشركون من آلهتهم لا وجود لها أصلا وهي منتفية يوم القيامة.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع : إما مالك لما يريده عابده منه ، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك ،فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا ، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده ، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبا متنقلا من الأعلى إلى ما دونه ،فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يظنها المشرك ، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه ، فكفى بهذه الآية نورا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد وقطعا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها،والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن ، ولَعَمْرُ الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم ، وتناوُلُ القرآن لهم كتناوله لأولئك ، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوَّبه وحسَّنه ، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه ، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه.ا.هـ

الحكم لله وحده والأمر جميعه إليه

إذا عرفت أن لهذا الكون ربا واحدا هو خالقه ومالكه ومدبر أمره ، لا يخلق أحد معه شيئا ولا يملك أحد معه مثقال ذرة ، ولا معين له ولا شفيع إلا من بعد إذنه، فاعلم أنه لابد أن يكون الحكم والأمر في هذا الكون كله لهذا الرب الخالق المالك الواحد لا شريك له ، وتكون الطاعة والعبادة والخضوع له وحده ، ولا يصح في العقول السليمة والفطر المستقيمة غير هذا.

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } [الأنبياء : 19 - 24]

يصرِّف الله خلقه كما يشاء ويحكم فيهم بما يريد فالكل خلقه وعبيده وجميعهم في ملكه وسلطانه والحكم حكمه والقضاء قضاؤه لا شيء فوقه يسأله عما يفعل ، وجميع من في السماوات والأرض من عباده مسئولون عن أفعالهم ومحاسبون على أعمالهم وهو الذي يسألهم عن ذلك ويحاسبهم عليه لأنه فوقهم ومالكهم وهم في سلطانه ، ولو كان الأمر لغير الخالق المالك لما استقام الوجود ولفسدت السموات والأرض وانحل كل شيء ، ومادمنا نرى هذا التناسق العجيب والنظام الدقيق في الكون لا يخرج شيء عما قُدِّر له ؛ فرب الكون إذا واحد لا شريك له ، له الملك وله السيادة والحكم والسلطان ، هو إله العالمين سبحانه وتعالى عما يشركون.

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 84 - 91]

فمن آمن بأن الخلق والملك كله لله لا بد أن يؤمن بأن الحكم والأمر كله لله ، لا شريك لله في حكمه كما أنه لا شريك له في ملكه وخلقه ، فالحكم لا يستقل عن الملك والقهر والسيادة ، فمن كان له الملك والقهر والسيادة لابد أن يكون له الحكم فيمن ملكهم وقهرهم وسادهم ، فالله عز وجل الذي خلق كل شيء وخضع لسلطانه وذل لجبروته كل شيء هو الذي يحكم بما يشاء لا معقب لحكمه ولا مبدل لكلماته ولا رادَّ لقضائه.

قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)

ما من شيء في السموات والأرض إلا الله خالقه ومالكه وربه وسيده ، له خلق كل شيء وملك كل شيء وله الأمر في كل شيء لا شريك له.

فمن غير الله خالق كل شيء ومليكه يستحق أن يكون له نصيب من الحكم والأمر؟

من غير الله خالق كل شيء ومليكه وسيده وربه يستحق أن يطاع أمره ويُستسلَمَ لقانونه ويُحتكمَ لحكمه من دون الله؟

إذا كان كل ما سوى الله عبد لله وحده لا يخلق ولا يملك ولا يضر ولا ينفع مع ربه شيئا، فكيف له أن يحكم ويأمر من دون الله؟.

كيف يصح أن تكون العبادة والطاعة والخضوع شركة بين الخالق الرازق المالك السيد الحاكم وبين من لا يخلق ولا يملك ولا يرزق ولا يأمر بل هو مخلوق مملوك فقير محتاج مأمور؟

كيف لا يكون الحكم والأمر في العباد لله وحده وقد خلقهم ورزقهم وملكهم وهو القائم بأمورهم وحده؟

كيف لا تكون الطاعة والعبادة خالصة لله مادام الحكم والأمر له وحده لاحكم إلا حكمه ولا أمر إلا أمره ولا شرع إلا شرعه ولا دين إلا دينه؟

سبحان الله وتعالى عما يشركون.


(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:123)

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص : 68 - 70]

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)(الأنعام: من الآية57)

لله عز وجل وحده الحكم بين عباده جميعا يحكم فيهم بما يشاء لا مانع لمشيئته ولا راد لحكمه وقضائه ، وإليه يرجع الأمر كله في الدنيا والآخرة ، وليس لمخلوق أن يختار مع الله بل ما عليه إلا التسليم والانقياد دون معارضة ولا ممانعة ، فالخلق كلهم عبيد لله عز وجل خاضعون لربوبيته وحكمه وسلطانه لا يخرج أحد منهم عن حد العبودية لله ، فينبغي أن يكون حالهم مع الله كحال العبد مع سيده ، السيد يأمر وينهى ويحكم بما يريد والعبد يسمع ويطيع لا يعارض ولا يستكبر.

قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الاسراء:44)

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49)

(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (النساء:172)

لا يرفض أن يكون عبدا مخلصا لله خالقه ورازقه وربه وسيده إلا كل جاهل سفيه ، أما العاقل الرشيد فلا يأنف أن يكون عبدا لمن خلقه وصوره ورزقه ، وبيده نفعه وضره وحياته وموته ، وإليه مرده وحده ، فأيُّ شرف أعظم من أن يكون الإنسان عبدا مطيعا خالصا لله وحده خالقه ورازقه ومالك أمره كله ، وأي عز أعظم من أن نكون في جانب الله ونرفض أن ننحي لغير ربنا وسيدنا ، وأي حرية أعظم من التحرر من عبودية البشر والحجر والجن والشياطين والأهواء.

ولهذا كان أعرف الخلق بالله أكثرهم تحقيقا لمقام العبودية له وحده.

(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف : 188)

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (الأنعام:50)

(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الأحقاف:9)

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (فصلت:38)

الله غني عنا وعن عبادتنا ، ونحن الفقراء المحتاجون لربنا ولا غنى لنا عنه طرفة عين ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر : 15 - 17]

ومن لم يجعل عبوديته خالصة لله فلا بد أن يقع في عبودية مخلوق مثله لاينفعه إن عبده ولا يضره إن لم يعبده ولا يغني عنه شيئا ، ولا بد من يوم يرجع فيه الخلق إلى الله ، كل واحد منهم يأتي ربه يوم القيامة وحيدا مقراً لله بالعبودية خاضعا ذليلا ليس معه شي ، لا مال ولا ولد ولا جند ولا أعوان. (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم:93 - 95)

فإذا كان الأمر في الدنيا والآخرة لله وحده والحكم له وحده من غير شريك ؛ فلماذا لا يجعل الإنسان عبوديته خالصة لله وحده؟!

لماذا يجعل له شريكا من خلقه؟!

كيف تسوِّل له نفسه أن يدين بالخضوع والانقياد لغير الله الذي له الخلق والملك والأمر؟!.

كيف ينحني ويخضع لعبد مثله؟

كيف يتخذ من دون الله شركاء يشرعون له منهج حياته ويحكمونه بما شاءوا؟


(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21)
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:28)
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83)
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: كم إلها تعبد ؟!!

مشاركة بواسطة الناسخ »

أبو الفضيل
14-02-2011


لو تأمل كل إنسان في خاصة نفسه لعرف فقره واحتياجه لخالقه ، وأنه لا غنى له عنه ولا بقاء له من دونه كما لا وجود له إلا به ، فهو عبد لخالقه ، هو الذي خلقه من لا شيء ، وهو الذي وهب له الحياة ، وهو الذي يربيه ويحفظه ويرعاه وينقله من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلا الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة ، ويقلب أحواله من حال لآخر كما يشاء ، وهو الذي يملك ضره ونفعه ، وحياته وموته ، وصحته ومرضه ، وقوته وضعفه ، وشبابه وهرمه ، وغناه وفقره ، وسعادته وشقاءه ، وراحته وتعبه ، وبكاءه وضحكه ، وجوعه وشبعه ، وطعامه وشرابه ، وماله وزوجه وولده ، وكل ما يملك لربه وخالقه لا يملك معه شيئا ، إن أعطاه ربه فلا مانع لعطائه ، وإن أمسك عنه فلا معطي من بعده.

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الروم:40)

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)

(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42)

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر : 2 - 3]

فالإنسان كسائر المخلوقات مستسلم قهرا للخالق الواحد القهار يصرفه كيف يشاء ويدبر أمره كما يريد ، لا يخرج عن ملك خالقه وربوبيته وسلطانه ، يقضي فيه بما يشاء فلا شيء يرد قضائه ، ويحكم فيه بما يريد فلا شيء يعقب على حكمه ، إلا أن الله خلقه مُمَيَّزاً عن سائر خلقه ليكون خليفة في أرضه يأمره بما يشاء وينهاه عما يشاء ويكلفه بما يريد ، وسخر له ما في السموات والأرض ليشكره وحده ويكون له عبدا مخلصا سامعا مطيعا ، وجعل لبقائه في هذه الدنيا أجلا مسمى فإذا انتهى أجله أماته وقبض روحه إليه ، ثم يبعثه متى يشاء لكي يحاسبه على ما كلفه به في الدنيا فيجازيه بالإحسان إن أطاع وبالعقوبة إن عصى وتمرد.

هذا العبد المستسلم قهرا وكرها لخالق هذا الكون الذي له كل شيء ، يرى نفسه من ناحية متميزا عن سائر المخلوقات من حوله بأن له إرادة وفكرا وعقلا ، ومن ناحية أخرى يرى نفسه كسائر المخلوقات ليس له من أمر نفسه وغيره شيء بل هو مستسلم منقاد لمن استسلم له كل شيء.

هذا العبد الذي خُصَّ عن غيره من العبيد بالعقل والفكر والإدراك بيّن له ربه طريق الخير والشر ، وجعله أمام خيارين : إما أن يشكر خالقه ورازقه والمنعم عليه فيعبده واحده ، وإما أن يكفره ويجحد نعمه وحقه عليه.

إما أن يوحد فلا يعبد غير خالقه ، أو يشرك فيعبد من دونه مخلوقا مثله.

إما أن يستسلم لله وحده ويخلص عبوديته لخالقه ومليكه ويتخذه وحده سيدا ووليا وحَكَماً ، فلا يتلقى الأوامر والنواهي والأحكام إلا منه ، ولا يحتكم في جميع شئون حياته إلا لحكمه ، ولا يتوجه بالطاعة والعبادة والولاء إلا له ، فيكون بذلك في توافق تام مع الجانب الآخر من حياته المستسلم فيه قهرا لله وحده ، وفي توافق تام مع هذا الكون كله الذي يعيش فيه ، فينال بذلك راحة وسعادة في حياته الدنيا ورضا ربه وثوابه في حياته الآخرة الموعودة ، وينجو من شقاء الدنيا والآخرة.

وإما أن يستسلم لغير الله ويصرف عبوديته لمن ليس له من الخلق والملك والأمر شيء ، ويتخذ عبدا مخلوقا مثله سيدا ووليا وحَكَما ومشرعا من دون الله ، يتلقى أوامره وأحكامه وتشريعاته بالقبول والانقياد والتنفيذ ، ويحتكم إليه في شئون حياته ، ويتوجه له بالطاعة والعبادة والولاء من دون الله ، فيكون بذلك في خلاف وفصام مع الجانب الأخر من حياته ومع الكون من حوله الذي يراه مستسلما لله وحده ، ويعيش في خوف دائم وضنك شديد وشقاء بعيد ، ويخسر نفسه ودنياه وآخرته لأنه قد أغضب ربه فاستوجب سخطه وعقابه ، ولن تنفعه عبادته واستسلامه وانقياده لمخلوق مثله لا يغني عنه شيئا ، لن ينال بشركه إلا غضب ربه وعقابه ، فالذي عبده من دون الله لا يملك لنفسه شيئا فلا ينفع من عبده ولا يضر من لم يعبده ، لا يملك رزقا ولا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

فمن أراد خير الدنيا والآخرة فليس أمامه إلا طريق التوحيد الخالص طريق الله عز وجل ، ولو فكر الإنسان قبل أن يسلك أحد الطريقين لما وجد غير طريق الرجوع إلى الله في كل شيء والإنابة له وحده.

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الروم : 26 -32]

الرجوع إلى الله والإنابة إليه والاستسلام له وحده والرضا به ربا وحكما ووليا هو الطريق الوحيد الذي يشهد العقل والفطرة بأنه الحق والسعادة والربح والفوز المبين ، وما سواه ضلال وتعاسة وخسارة وشقاء.

(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:14)

(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (الأنعام:114)

(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام:164)

(وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ)(المائدة: من الآية73)

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام:102)

الاستسلام الخالص لمن أسلم له من في السموات والأرض هو الطريق الذي يشهد العقل والفطرة بأنه طريق الفلاح وسعادة الدارين.

كان زيد بن عمرو ابن نفيل رجلا عاقلا لبيبا ، نظر ذات يوم وتفكر فيما عليه قومه وما يعبد الناس من حوله فرآهم يلجئون لحجر يتعبدون له ويطلبون منه قضاء حوائجهم وكشف الضر عنهم ، ويتبعون في ذلك أهواءهم وما توحي إليهم الشياطين وما يزينه لهم رؤوس الضلالة ، فرأى أن هذا الطريق الذي يسلكه قومه طريق خاطئ وسبيل أعوج ، ما وثن يُعبد ويُذبح له ، لاينفع ولا يضر .. التمس لنفسك طريقا آخر فما قومك على شيء.

تأمل زيد في الكون من حوله ، ونظر في ملكوت الله ، وتفكر في أمر مخلوقاته ، يبحث له عن طريق يوصله إلى الله فعند الله كل ما يريد ، فرأى كل شيء يشير إلى خالقه ويدلُّه عليه ويشهد شهادة لا أصدق منها أن الله وحده المستحق للعبادة والخضوع والاستسلام ، فقال كلماته المضيئة:

أسلمت وجهي لمن أسلمت ** له الأرض تحمل صخرا ثِقالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ** له المُزن تحمل عذبا زُلالا

إذا هي سيقت إلى بلدة ** أطاعت فصبَّتْ عليها سِجالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ** له الريح تصرف حالا فحالا

رأى زيد كل شيء مستسلما منقادا لله وحده فعرف أن الاستسلام لمن له الخلق والملك والأمر هو الطريق الحق الذي يجب أن يلتزمه ويسير عليه ، وهكذا كان دأب الحنفاء جميعا.

قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة : 130 - 131]

(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:79)

(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ )(آل عمران: من الآية20)

(قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(النمل: من الآية44)

والإسلام لا يكون إلا لمن له الخلق والملك والأمر ، ولا يصح إسلام أحد إلا إذا وحّد الله في الحكم والتشريع كما يوحده في الخلق والملك ، فلا يتلقى التشريع إلا منه ولا يتوجه به إلا إليه.

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29)

(لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية26)

(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:3)

إذا عرفت هذا عرفت أن الذين يحتكمون لغير الله ، ويقبلون تشريعات أمثالهم من البشر وينقادون لها ، ويجعلون الحكم لغير الله ، هم في الحقيقة أذل الخلق وأجهلهم وأسفههم وأظلمهم وأشقاهم.

أذل الخلق لأنهم لم يرضوا بأن يكونوا عبيدا لله وحده كسائر المخلوقات بل اختاروا أن يكونوا عبيدا لعبد ضعيف مثلهم لا يملك لنفسه شيئا فكيف يملك غيره.

وأجهل الخلق لأنهم لم يعرفوا الفرق بين العبد وسيده ، ولم يعلموا أن الأمر والحكم لا يكون إلا لمن له الخلق والملك ، وسائر المخلوقات غيرهم يعرفون ربهم وخالقهم ومليكهم ويستسلمون له وحده.

وأسفه الخلق لأنهم رغبوا عن الاستسلام لله وحده الذي أسلم له كل شيء.

وأظلم الخلق لأنهم أعطوا حق الله الخالص له وحده لعبد من عبيده ومخلوق من مخلوقاته وساووه بالله.

وأشقى الخلق لأنهم تركوا الاستسلام لرب العالمين الذي بيده الخير كله والنفع والضر كله ، واستسلموا لمن لا يفيدهم الاستسلام له شيئا ولا يملك لهم نفعا ولا ضرا ، بل هو سبب حرمانهم السعادة والنعيم والخير في الدنيا والآخرة.

فمن أذل وأجهل وأسفه وأظلم وأشقى ممن ترك حكم أحكم الحاكمين وأخذ حكم أجهل الجاهلين.

(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)

(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83)

(وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) (النحل:52)

(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) (الزمر:64)

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك:22)

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29)

فانظر لنفسك من أي الفريقين أنت؟!

يتبع إن شاء الله.........
أضف رد جديد