فصل الفرد عن الإسلام

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

فصل الفرد عن الإسلام

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2011-09-22




فصل الفرد عن الإسلام
 
إذا استقل الحكام في سياستهم عن الدين فإن الناس تبع لهم، لأن الناس على دين ملوكهم، وفصلهم بين الدين والدولة يعني الفصل بينه وبين الحياة العامة، لأن الدولة تتحكم في كل شؤون الحياة وميادينها، وبذلك لا يبقى من دين الله إلا الشعائر وبعض العقائد، التي تخص الفرد دون علاقاته مع الآخرين.
ثم إن النظام الكافر بشرائع الدين الإجتماعية يعمل على تعطيل شرائع الله الخاصة بالأفراد وعقائدهم، ويصنع بيئة لا تحافظ عليها كأقل تقدير، إن لم تحاربها كعادتها، وأعداء الله يقولون هذا لعلمهم بأنه إذا لم تكن للإسلام دولة تحميه ذهب وانمحى كما يجري الآن، فأخلاقه الباقية -مثلا- تتقهقر يوما بعد يوم، فلم نر أخلاقا تزدهر في ظل مبادئ حاكمة تخالفها، ولذلك لا يقبلون أن يحكم الإسلام المجتمع.
وكما آلت إليه حال النصرانية التي تسعى اليوم جاهدة لإعادة الفرد إلى رحابها في حياته الخاصة على الأقل، أما الدولة فأمل لا تفكر فيه إطلاقا، فمعركتها مع العلمانية انتهت بتخليها مقتنعة عن مجال الدولة، وكذلك هو الإسلام اليوم في عرف الناس.
إنهم يردّون دين الله في أي مجال من مجالات حياتهم العامة وحتى الخاصة منها، وإن كانوا يحصرونه في الحياة الخاصة تلاعبا ومغالطة كعادتهم، فالديمقراطية –مثلا- ترد دين الله وتنافسه، حتى فيما يسمى بالأمور الداخلية الخاصة بالفرد.
كما أن الدولة العلمانية تفرض على الفرد العمل بما هو محرم عليه في دينه، وتبني حياته على الحرام من الصغر إلى الكبر، وهي تتحكم في الحياة الفردية بالإعتقادات والأعمال كمبدأ الحرية الشخصية، وتقوم بصناعة أخلاق أخرى.
وتستولي على العقائد فتفصل بين الدين والعلم، فالعلماني هو ابن آدم داخل المسجد وابن القرد خارجه، وتقدم تفسيرات للحياة مدعية أنها عقائد علمية لا مجال لإنكارها، رغم أن العلم نفسه يبطلها يوما بعد يوم، لأن العلم متى سلم من الخطأ عبّر عن الحقيقة، التي توصل إلى الله لا إلى الإلحاد، وبذلك تتدخل حتى في عقائد الناس، وتمحو الإسلام في كل المجالات، لأن هناك تداخلا بين الإعتقاد والسلوك، ولا يمكن التأثير في جانب دون آخر.
كتب أحمد إبراهيم خضر في مجلة "البيان" (العددين: 43/44) عن خططهم في تفكيك الدين يقول:
(أولا: التركيز على القومية كهدف أعلى وغاية أسمى، والعمل على ترويض الإنسان ومحاولة الإستئثار به كليا وإبعاده عن الدين، مع تشديد الدولة على رعاياها بالتأكيد على عدم الخلط بين الدين والدنيا، وتحرير السلطة السياسية من وصاية الدين، وتطوير أخلاق سياسية لا تمت بصلة إلى أي معيار سماوي، ولا تترك الدولة للإنسان فرصة اختيار موقف محايد في الصراعات الإجتماعية والسياسية القائمة بتطبيقها، بل تصر على مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا "...
ثانيا: تطبيق سياسة العلمنة كتحد شامل وعام للدين خاصة، لأن الدين في الإسلام ليس قضية خاصة أو مجالا أو حيزا محددا بدقة مستقلا ومفصولا عن المجالات الأخرى، وإنما يغطي بشمول كبير المحيط العائلي والإجتماعي والسياسي والقانوني، لا يترك حيزا من الحياة الفردية والجماعية دون أحكام وقواعد، وتمتد فروعه إلى كل مجال، وتأثيره حاضر باستمرار، ولتحقيق هذا الإستقلال والإنفصال بين شؤون الدنيا والدين قامت الدولة بما يلي:
1. توطيد المؤسسات العلمانية التي تؤسسها، والتي تأخذ الطفل والشاب إلى جو يختلف كلية عن جو الأوساط الدينية، وإدخال الفرد في عدة جماعات ذات أهداف مستقلة لا تفكر مطلقا في الدين أو اليوم الآخر، وتفرض الدولة على الفرد الإنتقال باستمرار من المحيط الديني إلى محيط يجهل كل شيء عن الدين، أو يكنّ له عداء مكشوفا، ويتمركز أصلا حول المصالح الدنيوية المادية، إلى أن ينتهي الأمر بالفرد إلى اعتبار الدين مؤسسة شبيهة بالمؤسسات الإجتماعية الأخرى، لا يكرس له من وقته ونفسه إلا حيزا محدودا.
2. العمل على تحقيق العلمنة الفعلية للمجتمع بتأسيس منظمات وجمعيات ثقافية ونقابية وحزبية وتنظيمية "كالنادي الرياضي، أو التنظيم المهني، أو الجماهيري، أو السكني" تتوسط بين الفرد والمجتمع دون ضرورة للمرور على المؤسسات الدينية كما كان الحال في الماضي، وبتأسيس هذه المنظمات يضعف اعتماد الفرد في تفسير أمور حياته على القيم الدينية، وتتسع هذه المنظمات التي لا تقيم اعتبارا لقيم الفرد الدينية، ولا تهتم إلا بمصلحة الفرد في ضوء هدفها الذي تسعى إلى تحقيقه، ومن ثم يتحول الدين إلى مسألة خيار شخصي لا يعنيها ولا يهمها.
3. فصل المجالات الإقتصادية عن الدين بإعادة بناء المجتمع وفقا لمقتضيات ومتطلبات الإنتاج والإستهلاك، بحيث تكون الكلمة العليا للربح والدعاية والتنافس وتقنيات الإنتاج والتسويق والإدارة، ولا يكون هناك تأثير مطلقا للأخلاق الدينية، ويكون القرار في يد أولئك الذين يملكون سلطة سياسية واقتصادية وسيطرة لا حد لها، ومن هنا تختلف خيارات الإنسان المرتبطة بتصوره وحاجاته عن التصور الذي ينبثق من مبادئ وقيم الدين، بحيث يشتد التركيز على الجانب المادي من الحياة وعلى السعادة الدنيوية، دون وضع اعتبار لقيم الدين كالقناعة والإبتعاد عن الغش والإحتكار...إلخ.
4. التركيز على سياسة تحديد النسل وتدخل السلطات الرسمية فيها، وهي تعلم أنه مجال يلقى معارضة شديدة من الدين وعلمائه، تؤكد الدولة للإنسان بأن له حق التصرف في جسده، كما تقوم بإدخال معطيات ديمغرافية وفيزيولوجية ونفسية وطبية وسياسية في مسألة الإنجاب، وهي معطيات من شأنها أن تقوض المرتكزات الدينية التي تقوم عليها هذه المسألة.
ثالثا: تصوير الحضارة الصناعية على أنها حضارة منافسة للدين متحدية له بما تقدمه من إمكانيات العلم والتقنية، وبتصويرها للإنسان على أنه سيد للطبيعة وأن على الإنسان أن يتكيف لهذه الحضارة بسبلها المادية والفكرية معا، وهذا يستلزم منه أن يعيد النظر في أفكاره الدينية التي تكونت عبر مراحل تنشئته الإجتماعية، وتؤدي هذه العملية إلى أن يصبح العالم الفكري للإنسان "عقلانيا" فلا يحتاج بالتالي إلى الدين الذي ينظر إلى هذه الحضارة –كما يتصور فرحي الديك– نظرة ترقب وتجاهل.
رابعا: الإستفادة من انتشار العمران والحراك الجغرافي والإجتماعي بالتأكيد على التجديد والإبتكار وبتعددية المواقف ونسبية الخيارات، كل ذلك بقصد ألا تنطلق المواقف والخيارات من الدين وحده، مع تأكيد النظرة إلى المسجد على أنه أحد القطاعات التي تضمها المدينة أو القرية الريفية، والعمل ألا يختلط المسجد بالحي أو بالوسط الريفي مثلما كان سائدا في الماضي، مع تحجيم دوره بالصورة التي تمنع هذا الخلط).
إنهم ينكرون –في الواقع- أن يتدخل شرع الله في تصرفات الناس، فإذا أنكر دين الله الخمر أو غيرها من الرذائل وأمرَ ونهى قالوا: الناس أحرار في أجسادهم وفي مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وغير ذلك.
يقول مراد مصطفى في جريدة "اليوم" (29/05/2003): (أن بين المسلمين العراقيين والشيعة بالذات ديمقراطيين ليبراليين وشيوعيين وقوميين علمانيين وغيرهم، إن المسلمين في المجتمع العراقي الحديث لم يكونوا غير مسلمين حتى ينبري المتشددون اليوم لفرض تفسيرهم هم للإسلام، ولانتهاك أبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومنها حق المواطن في طريقة مأكله وملبسه وحياته العامة).
وهو كفر الرد والإباء والإستكبار ككفر إبليس، فهم لا يأكلون الربا ويشربون الخمر فحسب، بل يعتقدون أنهم أحرار في ذلك، وأن الإسلام لا يصح أن يتحكم في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية،  ومن يعترض على حكم الله أو يقول:أنا حر في غير إطار دين الله، لم يقبل التكليف من الله والإسلام له فيه.
إنها نفسها حجج الأولين، يقول الله -تعالى-: ]وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّه قَالَ الّذِينَ كَفَرُوا للّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ[ ]يس: 47[، ]قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نََتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ[ ]هود: 87[.
فالحاكم أو التاجر –مثلا- عندما يخشع في المسجد كأحد العبّاد الزهاد، ويبدي كل صور النذالة والغدر في علاقاته بالناس، لا يعتبر نفسه عاصيا، ولكنه محق في الحالتين.
والمعاصي التي ينشرونها بين الناس نتجت عن هذا الإعتقاد، ويبنونها على هذا المعتقد العلماني، لا في إطار الإسلام كمعاصي المسلمين الذين يستغفرون الله من ذنوبهم لشعورهم بالتقصير، أما هؤلاء فيعتقدون أن العادات والتقاليد ليس للإسلام تصرف فيها، وأن الزمان قد تبدل، وأنهم فوق المؤمنين، ولا يشعرون بالذنب، فلباسهم –مثلا- تابع لتقاليدهم وأذواقهم، يدافعون عنها وإن حددها ربهم بشرعه، فالإباحية مذهب كالمزدكية قديما، وليست معصية كمعاصي المسلمين.
قال محمد العماري: لقد حاربنا هذا الحزب -الذي دعاهم للحكم بشرع الله- لأنه أراد أن يغير لباس المجتمع الجزائري، وهذا رد للدين وإعراض عنه يعني أن المجتمع لا يخضع في لباسه لشرع الله، لا عصيانا، بل خروجا من إطاره إلى أسس ونظم أخرى تتحكم فيه سواء كانت عادات الآباء أو عادات الأوربيين.
يقول الله -عز وجل-: ]وَإِذَا قٍيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ماَ أَنْزَلَ الله قَالُوا بَلْ نَتَبِعُ ماَ أَلْفَيْناَ عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهَمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ[ ]البقرة: 170[، كقول فرعون عن موسى: ]إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ[ ]غافر: 26[، وكقول إبليس: ]أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً[ ]الإسراء: 61[.
وللتذكير فإن العلمانية ليست عقيدة بعض الكتّاب والحكام المنسلخين من دين أمتهم كما يقال، بل هي عقيدة يدين بها الناس وهم يشعرون أو لا يشعرون، بما فيهم روّاد المساجد، لأنها تجلببت بجلباب الإسلام، ولم تقدَّم لهم على أنها مناقضة ومنافسة للإسلام، فهم يثبتون الإسلام للدولة العلمانية فيوالونها ويتبعونها، حتى دعاة العلمانية يتمسحون بالإسلام ويردون على الإسلام، لاطمئنانهم بأن أمتهم لن تعتقد في انتفاء الإسلام عنهم مهما قالوا وفعلوا واعتقدوا.
حتى وإن بقي كثير من الناس ينظرون إلى المعاصي على أنها معاصٍ ويشعرون بالذنب، إلا أن الخط العام يسير نحو الأسوأ، لأن دعاة الجاهلية ينشرون مخالفاتهم على أساس أنها عادات جديدة وقيم بديلة ولا حرج فيها، ومقام الأستاذية بأيديهم، لا سيما بعد أن تحول الكثير من شرائع الدين إلى عادات بالية، وهي لا تثبت أمام الجديد.
إن العقيدة التي تُخضع الإسلام لمعيار الزمان أو المكان هي كفر ابتداء، وتؤدي حتما إلى محو كل آثار الدين، فإن الذي يقول أن الزمان قد تبدل سيأتي أبناؤه ويزيدون عليهم، ويأتي أحفاده ويزيدون عليهم، لأنهم تحت حراسة العلمانية، ومنها يستمدون طبائعهم، لقد وُضعت عجلة المجتمع منذ البداية على سكة العلمانية وهي سائرة في طريقها.
إن العلمانية نظام بديل عن الإسلام ومشروع مجتمع منافس له، أي هي دين آخر، نجد هذا واضحا في أذهان أهلها، أما الكثير ممن يحاربون هذا المشروع فهم غافلون، يظنون أن الأمر مجرد معاص في إطار الإسلام، ستزول شيئا فشيئا  بنشر الأخلاق الإسلامية، رغم أن الكفر لا يزول بنشر أحكام الإسلام الجزئية، وإنما بالدعوة لأصل الإسلام، ومنه إنكار مبادئ العلمانية.
وبتراجعهم هذا يتحقق الإجماع على اختزال الإسلام في الأخلاق دون شرائع المجتمع، بل دون عقيدة التوحيد، رغم أن الأخلاق في كل دين من الأديان التي كانت قبل العلمانية، فلا نعلم دينا جاهليّا دعا إلى السرقة والكذب والظلم، وبذلك فلماذا أنزل الله هذا الدين إذن؟! ولقد تمسك النصارى بأخلاق المسيح –عليه الصلاة والسلام– من إيثار وزهد ورحمة وعفو وهم كفار بسبب عقائد وأفعال قاموا بها.
إن العلمانية تحارب العقائد والأخلاق في حرب متقدمة بعد إزاحتها للشرائع وسكوت الأكثرية، وهي منتصرة في حربها القادمة ما دامت تهاجم المنسحبين المدافعين عن مواقع متناثرة  وأجزاء غير متماسكة.  
أضف رد جديد