الدعوة في إطار المبادئ الجاهلية

إرشادات في فقه الدعوة إلى الله
أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

الدعوة في إطار المبادئ الجاهلية

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2012-01-29




الدعـوة في إطـار المبـادئ الجاهليـة
 
إن الدعوة إلى الله لا تعيش في إطار الشرعية الدستورية التي يؤمن بها خصومها، لكنها تجعل ذلك الشرع والدستور عدوها الأول إذ هو من معالم الجاهلية، فتبطله بالحجة والبرهان، فدعوة التوحيد إذن تعمل خارج الدستور والقانون والشرعية القانونية الجاهلية، ولا تعمل في إطار حرية الإعتقاد بالمفهوم العلماني بل هي ضدها، ولا تدعو إليها بل تناهضها، ولا تنتظر منها أن تمنحها الشرعية والإعتماد لتتحرك.
جاء في جريدة "الخبر الأسبوعي" (العدد: 35) عن أحد أئمة المساجد: (أنا لست وصيا على أحد...أنا أرفض فكرة الإلحاد في مجتمع أغلبيته متدينة مسلمة، لكن إن وجدت أقلية تعتقد بهذا المعتقد الإلحادي فهذا أمر لن أسمح لنفسي أن أفتي فيه أو أبدي رأيا فيه، لأنه يعد من الأمور التي لها علاقة بالتوظيف السياسي للقضايا ذات الأهمية البالغة والحساسة).
وكتب رشيد زملاني في جريدة "الشروق العربي" (1/12/2003) يقول: (من أهم مبادئ جماعة الدعوة والتبليغ عدم الخوض في المسائل السياسية، ويعتبرون الإنتخابات عملية فردية لا دخل للجماعة فيها...فإن أدبياتهم تفرض عليهم الإبتعاد كليا عن الفعل السياسي وعدم الخوض في القضايا السياسية، سواء أمام الملأ أو في جلساتهم الداخلية، ويمنع على أي عضو منهم مهما كان مركزه في الجماعة الخوض في السياسة، أو إبداء تأييده لمرشح دون الآخرين، وإذا فعل ذلك فقد خالف مبدأ رئيسيا من مبادئ الجماعة، أما عملية الإنتخاب فكل واحد من الجماعة له حرية الإختيار بين التصويت أو عدمه وبين هذا المرشح أو ذاك، ويبدو أن هذا المبدأ هو الذي جعل جماعة الدعوة والتبليغ مقبولة لدى أغلب الأنظمة العربية لأنها لا تشكل خطرا على الحكام).
إن الدعوة إلى الإسلام لا ضابط لها غير دين الله، ولا تعترف بأي خط أحمر يعترض مسيرتها ويحدد مجالها، مادام الله قد أذن لها فيما تأتيه، هكذا كانت دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
يقول الله -تعالى-: ]وَإِذَا تُتْلىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا إِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيََّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[ ]يونس: 15[، قال مقاتل -رحمه الله– أنهم قالوا للنبي –صلى الله عليه وسلم-: (إئت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى)، ولو بُعث في عصرنا لقالوا له: إئت بقرآن ليس فيه ترك لعبادة الأضرحة، ولا يتدخل في السياسة وفي حياتنا العامة، وليس فيه تمييز بين الناس والبلدان على أساس الإسلام أو الكفر.
 أضف إلى ذلك أنه عندما يسكت العلماء عن كل ما يُحظر عليهم التطرق إليه يصير عادة وينساه الناس بالضرورة، فيتكلمون عن الأخلاق والشعائر التي يُسمح بها فقط دون التوحيد، ومنه توحيد الإتباع والتلقي، الأمر الذي يكرس العلمانية ويعطيها الشرعية، وهو إقرار ضمني بها، فأين الدعوة إذن؟!
لقد جاء الإسلام ليواجه كل كفر، لا ليعتبره مانعا مشروعا وعذرا مقبولا، وما دام الكفار هم الذين يحددون الخطوط الحمراء للدعوة فإنها تذهب وتنمحي مباشرة، فالذي يتكلم فيما يسمح له به فقط يضفي الشرعية على الأمور الأخرى المسكوت عنها، ويحرف الدين في أذهان الناس، إذ أنه يشعرهم بأن المساحة الأخرى المحمية من طرف الجاهلية توافق الإسلام، ويعتبرون تلك المساحة المسموح بها كافية لتربية مسلم كامل الإسلام وإدخاله الجنة، لكن أنبياء الله لم يتكلموا فيما يوافقهم فيه الناس فقط.
ودعوتهم لتفاصيل الشريعة كغاية تعطي الإنطباع لدى الناس بأن الكفر الواقع صحيح لا يخالف دين الله، ويظنون أنهم لم يخالفوا دين الله إلا في بعض تفاصيل شريعته، هذا إن لم يصححوه صراحة في غالب الأحيان، إذ لابد لهم أن يتكلموا في السياسة لأن الواقع يفرض عليهم ذلك، ولابد لهم أن يصدروا موقفهم باسم الإسلام لصالح العلمانية، فيبررون الوطنية والديمقراطية وغيرها من الكفر، ولو قعدوا في بيوتهم لسلموا وسلم منهم دين الله.
إن هؤلاء الذين يتهربون من القضايا السياسية منهزمون أمام مد العلمانية، ويضعون الإسلام في موضع المنهزم أمامها، فهي التي تضبط دعوتهم، وتحدد لهم مجال تحركهم، ويقولون: يا ليتها تترك لنا هذه المساحة على الأقل، ويسيرون وفق قاعدة: ما لا يدرك كله لا يترك بعضه، وقاعدة: اتباع أخف الضررين، التي لا محل لها في موضوع الإيمان والكفر، على أن التحرك في إطار ما تسمح به الجاهلية أفضل من أن نُمنع ونقع تحت طائلة القانون، وهذا الذي يوقعهم في الكفر.
منقول
أضف رد جديد