الخلط بين حرية الإسلام وحرية الديمقراطية

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

الخلط بين حرية الإسلام وحرية الديمقراطية

مشاركة بواسطة الناسخ »

مشرف
2012-06-02




الخلط بين حرية الإسلام وحرية الديمقراطية
 
إن استغلال جو الإنفتاح الذي تصنعه الديمقراطية للدعوة إلى الله لا يعني الدعوة إلى الديمقراطية، وتبنيها والدفاع عنها ونصرتها، لأنها تبيح الكفر وتلزم به وتؤدي إليه، كما تبيح شيئا من دين الله دون إخلاص الدين لله، كقول الأولين: هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، وهذا يرفضه الإسلام.
ولا يمكن تشبيه حرية الديمقراطية بحالة الرجل المسلم المظهر لدينه بين الكفار، الذي يحتمي بعشيرته فلا يقدر عليه الكفار، فالمسلم لا ينكر الكفر في إطار الديمقراطية، بل ينكرها أصلا لأنها كفر بذاتها، وهذا ترفضه الديمقراطية.
كما أن استغلال المسلم الحمية القبلية لحماية الدعوة لا يعني الدعوة إلى القبلية، وإقرارها شرعا، والإستعانة بحماية الكفار للدعوة لا يعني –بالضرورة- الرضى بمبادئهم، وقوانينهم المخالفة لدين الله، والعمل في إطارها.
وقد احتمى –صلى الله عليه وسلم– بعمه أبي طالب وبني هاشم، واستجار بالمطعم بن عدي، وطلب الإيواء من القبائل حتى يبلغ دينه، لكن لم يكن ليقبل بحماية أحد يشترط عليه الرضى أو اتباع شيء من الأهواء ولو قولا، كالذين اشترطوا عليه أن يجعل لهم الأمر من بعده، وهو في مكة أحوج ما يكون إلى من ينصره.
إن دعوة هؤلاء إلى الديمقراطية وحرية التعبير لظنهم بأن دعوة الإسلام لا تقوم إلا في جو الحرية، أي بعد إذن من فرعون لموسى لا رغما عنه، فهؤلاء لا يفهمون بأن الإسلام يضاد الجاهلية في العمق لا في السطح، ولا يسير في إطارها، فالديمقراطية تكفل الحرية في الإعتقاد دون الإسلام لله وحده، لأن الإسلام يرفض الإقرار بالباطل.
إذن فعلى الإسلام أن يكيف نفسه معها، وهذا ما فعلوه، هذا التكييف هو التحريف وهو الكفر، فالإسلام يسمح بحرية الفرد أو المجتمع في إطاره، وهذه طبيعة كل شرع يضبط تصرفات الناس.
قال العلمانيون: يجب على من يسمون بالإسلاميين أن يلائموا تصوراتهم مع المبادئ الديمقراطية لا العكس، لأن الديمقراطية لا تتلاءم مع أطرهم المرجعية القائمة على الأحادية، والرافضة للتعددية السياسية والإختلاف العقدي.
فهم يعارضون حكم الإسلام أصلا، لا الحكام المسلمين الذين يصيبون ويخطئون، ويجعلون الحكم بشرع الله محل خلاف، وهذا بسبب أولائك الذين وضعوا شرع الله في ميزان الإنتخاب، بينه وبين الشرائع الجاهلية، متخذين الديمقراطية سبيلا للدعوة إلى شرع الله.
إن الإسلام يعم كل مناحي الحياة، فهو يعمل في المجال الذي تعمل فيه العلمانية أيضا، ولذلك يفرض حكمه ويترك الحرية للناس في اعتناقه أو تركه، وكذلك فعلت العلمانية، فلا يمكن معارضة العلمانية في أي نظام، سواء كان قائما على التعددية السياسية أو الأحادية.
ومعارضة الحكام المسلمين يجب أن تكون في إطار الإسلام، ولا يمكن معارضة نظام الإسلام أبدا، فلا يصح في المجتمع المسلم الإقرار بالأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة وتقويض النظام الإسلامي، كما لا يقبل الديمقراطيون من يستغل الديمقراطية إلى حين الإنقلاب عليها، كما أن الآليات التي تستعملها المعارضة ليست هي بالضرورة تلك المعروفة في النظام العلماني، فجدير بنظامين يختلفان في الأصل أن يختلفا في الفروع والوسائل، والمجتمع الذي يبنيه الإسلام هو غير المجتمع الذي تبنيه العلمانية، ولذلك لا يقاس أحدهما على الآخر.
إن الإسلام يقر التعددية واختلاف الرأي والإجتهاد المباح في إطاره دائما، كما تفعل العلمانية تماما، فهو يرفضها كما ترفضه، ولا يخدعنا العلمانيون بقولهم أن نظامهم يتسع لكل الناس وتياراتهم، ويمكّنهم من الوصول إلى الحكم، لأنه لا يمكن لمن يعتنق نظاما يخالفها أن يصل إلى الحكم، إلا أن يخلعه على بابها ويحتفظ به لنفسه ويتبنى مبادئها.
والإسلام يقر الناس على اختلافهم العقدي ]وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[ [هود: 118/119]، وإن كان لا يدعو إلى ذلك التنوع والإختلاف كما تفعل الديمقراطية، بعد أن تستثني الإسلام من حق الوجود.          
وبإمكان المسلمين أن يدعوا الحكام الكفار إلى ترك الحرية للناس في دخول دين الله، قال –عز وجل– على لسان نبيه شعيب –عليه الصلاة والسلام-: ]وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا[ ]الأعراف: 86[.
لكن لا يدعونهم لترك الحرية المطلقة للناس في الإسلام أو الكفر، حيث يقبلون حتى بالردة، وعدم التمييز بين الناس على أساس الإسلام أو الكفر، وتشجيعهم على اعتناق الكفر كما تقول الديمقراطية، مثلما يشجعونهم على الإسلام سواء، فالمسلم لا يقر أن يكون لباسه مثلا عملا بمبدأ الحرية الشخصية المطلقة غير المضبوطة بدين الله، لأن هذا خروج عن دين الله، وإنما هو حر في إطار شرع الله، والإسلام لا يقبل إفساد مجتمعه باسم الحرية، ولا يقول للناس: ها هو المسجد وها هي المخمرة.
ولا يصح أن ندعوا إلى شيء من الإسلام تسترا تحت غطاء الحرية الديمقراطية إقرارا منا بها، ثم نجهز عليها إذا تمكنا، فهذا خداع ينبذه الإسلام، ويعني أيضا أننا آمنا بها لما كنا مستضعفين من قبل، ثم كفرنا بها لما استغنينا عنها، حتى وإن استعملت هذه المذاهب الجاهلية شيئا من الإسلام لترسيخ مبادئها، فإن الإسلام لا يقبل الإستعانة بها، فله وسائله الشريفة.
والكفر لا يقوم به إسلام، وكل مبدأ له وسائله الخاصة به، فنفس الوسائل تؤدي إلى نفس النتائج، وهذه الوسائل إنما هي المناهج التي تتعلق بصميم المبادئ، أما الوسائل المادية فهي من المصالح المرسلة، ما لم يأت نص يحرمها.
قال سلمان العودة في جريدة "العربي" (العدد: 19): (ففي الجزائر تمكن أبناء الصحوة من الأخذ بيد المتمكنين في زمام الأمور إلى شاطئ البر والتعايش، وأن أكبر هدف حققه هؤلاء الإخوة هو تمكين المجتمع الدولي من الوقوف على حقيقة مهمة، وهو أن بلوغ الإسلاميين إلى السلطة لا يعني الإنقلاب على الواقع وعلى الدولة وعلى النظام، وهذا الجانب مهم جدا، يمكن أن نعتبره درسا قدمته الجزائر للعالم برمته، وليس للعالم الإسلامي فحسب، ولكن رغم كل هذا لا بد من التأكيد على أن التيار الإسلامي في الجزائر استطاع أن يثبت أنه ليس ضد الثوابت الوطنية، وليس ضد الحريات، ولا ضد حقوق الإنسان، ولا الديموقراطية التي تعني العودة إلى الشعب).
إن أنبياء الله –عليهم الصلاة والسلام– ما جاؤوا إلا ليصرحوا للكفار بأن دينكم مخالف لدين الله، وأنهم يسعون للتغيير الجذري، ]وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) ]الكهف: 29[، ولم يخادعوا في دعوتهم، وإنما قدموها كبديل جاد وصريح، ولم يظهروا الموافقة، حتى إذا تمكنوا من بسط نفوذهم غيروا دين الكفار، هذا لم يفعله أي نبي من أنبياء الله رغم الظروف التي مروا بها.
وكيف لا يكون الإسلام ضد الحريات بالمفهوم العلماني الذي يعرفه الناس اليوم، ومنه حرية نشر الكفر والعصيان؟ وكيف لا يكون ضد الديمقراطية التي تعني العودة إلى حكم الشعب في أمر قد حكم الله فيه ؟ فعن أي دين يتكلم هؤلاء؟!
وقال حسن البنا في "نظام الحكم" من "مجموعة رسائله" (322): (بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول: "دين الدولة الإسلام"، أو قابلة للتغيير الذي يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذي يقول: "حرية الإعتقاد مكفولة"، وأحب أن أنبه هنا إلى الفرق بين الدستور والقوانين التي تسير عليها المحاكم، إذ أن كثيرا من هذه القوانين يتنافى صراحة مع ما جاء به الإسلام).
ولا يمكن تفسير المادة التي تعطي الحرية في الإعتقاد وفق القواعد الإسلامية، فدستورهم يكفل الحرية في الإعتقاد الغيبي وما يتبعه من شعائر فردية، وهو معنى الدين عند العلمانية، أما شرائعهم فلا حرية في تركها أو اتباعها.
وحرية الإعتقاد التي يقصدونها ويطبقونها ليست هي المعروفة في دين الإسلام، بل يفسرونها بتفسير العلمانية الغربية، فحتى إذا حرم الله شيئا أباحوه هم ولم يجرّموه، وإنما هو حق مكفول قانونا، وإن أباح شرع الله شيئا قيدوا حرية الناس ومنعوه كما أرادوا، ولذلك فلا يتفق شرع الله مع شرعهم في مفهوم أي حرية، فهذا يبيح الردة والكفر عموما، ولا يميز بين الناس على أساس الإسلام أو الكفر أصلا، والإسلام يقيم حدا فاصلا بين المسلمين والكفار.
وفي دين الله يمكَّن المشركون من حرية الإعتقاد، إلا إذا كانوا يدّعون الإسلام، فيمنعون من الإنتساب إلى المسلمين إن ظهر كفرهم حتى يسلموا، وهذا حق له، إذ هو تحريف للدين وتمييع له، لا يقبله أي منهج في الدنيا يحترم حدوده.
والنظام الإسلامي لا يربي أبناء أهل الذمة على شرائع الإسلام ومبادئه، بخلاف النظام العلماني الذي ينشئ نشأ جديدًا مؤمنا بمبادئه، وأنا لا أرى له شبها إلا بأولئك المنصّرين الذين يختطفون أبناء الناس ليعمّدوهم وينصّروهم.
وفي الواقع لا يصح أن ننتظر من شرعين متناقضين أن يحترم أحدهما حدود الآخر ويحفظ له مبادئه، أو يسير وفق قواعده.
والتعريف المتفق عليه بين كل الشرائع الإلهية والبشرية للحرية هو أن لا يُكره الإنسان على فعل ما لا يوجبه القانون، ولا يكره على ترك ما يسمح به القانون، ولا يكون حرا في مخالفة القانون أبدا، فالقوانين ملزمة، ولو كان في تركها حرية لصارت الحياة فوضى، والحرية لا تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين فقط، ولكن لابد من القوانين التي تحددها ابتداء، وتضع لها الضوابط وفق رؤيتها.
فالحرية عند الكفار تتوقف عند حكم القانون البشري، لا قانون الله كما هي عند المسلمين، وهنا محل الكفر بشرع الله والإيمان بشرع الطاغوت، فالديمقراطية –مثلا– هي حكم أغلبية الشعب، وإن خالفت حكم الله متجاهلة له.
فلا حرية عندهم إلا في إطار العلمانية، ولذلك يبطل تفسيرهم لقول الله -تعالى-: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[ ]البقرة: 256[، ومحاولة ربطه بالحرية الديمقراطية التي تبيح الردة، ولا تقبل الخضوع لله وحده، ولا سلطان على هذه الحرية غير قانون أهلها.
فالإلتزام بالقانون الذي أقره الشعب أو نوابه واجب، ولا يمكنك معارضة مبادئ المجتمع الكلية  كالعلمانية والإشتراكية والديمقراطية معارضة جادة تطمح إلى التغيير، ثم هم يحتجون بأن نظام الحكم في الإسلام لا يمكن معارضته، والحقيقة أنه لا يصح معارضة قانون الله لا اجتهاد الحكام .
وهناك قضية أخرى، وهي أن المشركين يدعون إلى حكم الشعب لإبطال حكم الأفراد المستبدين، ثم يبطلون حكم الله أيضا، وشرع الله أول ضحية، وبذلك ربطوا حربهم للظلم بحربهم لشرع الله، ]أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ ]النور: 50[، ولذلك نجد الديمقراطيين يتحالفون مع الديكتاتورية لمحاربة الإسلام، لأن الهدف المشترك هو العلمانية لا حكم الشعب وحريته.
إن الأمر الذي كفر به الديمقراطيون وأنكره عليهم الإسلام ليس في تغليب حكم الأغلبية على الأقلية، وإنما في تبني حكم غير حكم الله، وسواء عندها أكان حكم أغلبية أو أقلية أو إجماع أو حكم فرد، فسواء استبد بوضع هذا الحكم البعض دون البعض، أو أعطي الحق للجميع في وضعه.
لكنهم يربطون الديمقراطية بالحرية السياسية خصوصا، ويحصرون حرية التعبير والنقاش الحر في الديمقراطية، وكأن الحرية لم تكن قبل الديمقراطية، ولا تعيش إلا في ظلها، حتى أصبحت الديمقراطية أمل الشعوب المغبونة كلها، حيث يظهر أن كل من ينكر الديمقراطية يدعو إلى الإستبداد بالضرورة، بينما دعوة الإسلام تنقل الحرية من إطار الديمقراطية وقوانينها إلى إطار الإسلام وقوانين الله، فهو أعلم بما يصلح لهم.
أضف رد جديد