صمت الرحيل
2013-05-02
قال الله تعالى" بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ .." يونس 39
قال ابن كثير " : بل كذب هؤلاء بالقرآن، ولم يفهموه ولا عرفوه.."
قال القرطبي " أي كذبوا بالقرآن وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره، وعليهم أن يعلموا ذلك بالسؤال، فهذا يدل على أنه يجب أن ينظر في التأويل.
وقوله: (ولما يأتهم تأويله) أي ولم يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم
أو كذبوا بما في القرآن من ذكر البعث والجنة والنار، ولم يأتهم تأويله أي حقيقة ما وعدوا في الكتاب، قاله الضحاك.
وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن (من جهل شيئا عاداه) قال نعم، في موضعين: " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه " وقوله: " وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم " [ الاحقاف: 11 ]. "
قال ابن القيم :
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ... إن المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه عن أوصافه ... إن المعطل عابد البهتان
من شبه الله العظيم بخلقه ... فهو النسيب لمشرك نصراني
أو عطل الرحمن عن أوصافه ... فهو الكفار وليس ذا إيمان
وقد قال السلف(المعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما)
قال ابن القيم" أصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل وهو ثلاثة أقسام:
1- تعطيل الصانع عن المصنوع.
2- تعطيل الصانع -سبحانه- عن كماله المقدس: أسمائه وصفاته وأفعاله.
3- تعطيل معاملته عما يجب على العباد من حقيقة التوحيد."
ويقول ابن تيمية : (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه
في كتابه، وبما وصفه به رسوله ص من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف
ولا تمثيل).
وقال بعضهم: (صفات الرب تعالى معلومة من حيث الجملة والإثبات، غير مدركة من حيث الكيف والتحديد) .
التحريف: تغيير النص لفظا أو معنى.
التكييف: السؤال بصيغة كيف.
التمثيل: إثبات المثل للشيء مساويا له من كل الوجوه.
التشبيه: إثبات المثل للشيء مساويا له من بعض الوجوه.
فنحن نقول كما قال الإمام مالك :
(الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وكذلك
النزول، ولا نقول الاستواء هو الهيمنة، ونقول كذلك: لله يد ليست كأيدينا،
ولا نقول يده قدرته.
ونقول: إن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم.
ولا نقول (إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم).
ونقول: إن مذهب السلف هو مذهب أهل السنة والجماعة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
أما الخلف: الذين يؤولون كالأشعرية فهم من أهل السنة والجماعة إلا في تأويل
الصفات، فهم ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة. " انظر العقيدة واثرها في
بناء الجيل
وقال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى 6-515 " وجماع القول في إثبات
الصفات هو القول بما كان عليه سلف الأمة وأئمتها وهو أن يوصف الله بما وصف
به نفسه وبما وصفه به رسوله ويصان ذلك عن التحريف والتمثيل والتكييف
والتعطيل ؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله
فمن نفى صفاته كان معطلا . ومن مثل صفاته بصفات مخلوقاته كان ممثلا والواجب
إثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا
تعطيل كما قال تعالى { ليس كمثله شيء } فهذا رد على الممثلة { وهو السميع البصير }
رد على المعطلة فالممثل يعبد صنما والمعطل يعبد عدما . و " طريقة الرسل " -
صلوات الله عليهم - إثبات صفات الكمال لله على وجه التفصيل وتنزيهه بالقول
المطلق عن التمثيل فطريقتهم " إثبات مفصل " و " نفي مجمل "
الأدلة من القرآن:.
1-يقول الله "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ " ص- 75
والتثنية في اليد للدلالة على أنها ليس بمعنى : القوّة ، والقدرة ، بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه
فيكف يقال قدرتاي ؟
وما هو افضلية آدم على باقي الخلق والا لصح ابلي سان يقال وان كذلك وانى له ذلك !
قال محمد خليل الهراس في شرح للعقيدة الواسطية" ولا يمكن حمل اليدين هنا على القدرة ؛ فإن الأشياء جميعا حتى إبليس خلقها الله بقدرته ، فلا يبقى لآدم خصوصية يتميز بها . "
قال السعدي" أي: شرفته وكرمته واختصصته بهذه الخصيصة، التي اختص بها عن سائر الخلق، وذلك يقتضي عدم التكبر عليه. "
2-وفي الاي" وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ
مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ
مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ"المائدة64
فدلالة الازم ثابتة له جل في علاه مع الفارق بين الخالق والمخلوق وانه لا
تماثل بينهما و الازم منه الانفاق والسعة فقد صُرق الازم بغير صارف
وقد ذكرت اليهود عليهم من الله ما يستحقون " يد الله "
فقال "بل يداه "
وقالوا " مغلولة "
وقال " بل يداه مبسوطتان " وهذا زيادة في المعنى والمبنى لمن أدرك
قال الهراس " ثم أثبت لنفسه سبحانه عكس ما قالوا ، وهو أن يديه مبسوطتان بالعطاء ؛ ينفق كيف يشاء ؛ كما جاء في الحديث : « إن يمين الله ملأى سحاء الليل والنهار ، لا تغيضها نفقة » .
ترى لو لم يكن لله يدان على الحقيقة ؛ هل كان يحسن هذا التعبير ببسط اليدين ؟ ! "
3-يقول الله "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الزمر (67)
قال ابن كثير "وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه
الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما
جاءت من غير تكييف ولا تحريف.
قال البخاري: قوله: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }
حدثنا آدم، حدثنا شيبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله بن
مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
محمد: إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع،
والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع. فيقول:
أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول
الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الآية . .."
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث،
حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن: أن أبا هريرة ، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض".
وقد روى الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول، فقال:
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن
عبيد الله بن مقسم، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه
الآية ذات يوم على المنبر: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ
حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ } ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده،
يحركها يقبل بها ويدبر: "يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا
الملك، أنا العزيز، أنا الكريم". فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم
المنبر حتى قلنا: لَيَخِرَّن به." انظر ابن كثير
4-قوله تعالى " تبارك الذي بيده الملك "
قال ابن كثير " يمجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر
أنه بيده الملك، أي: هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه،
ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله "
5-قوله " قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " المؤمنون 88
قال ابن كثير " أي: بيده الملك، { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }
[هود: 56] ، أي: متصرف فيها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا
والذي نفسي بيده" ، وكان إذا اجتهد في اليمين قال : " لا ومقلب القلوب" ،
فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف "
6-قوله "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " يس83
7-قوله " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُالْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ
تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ " ال عمران26
الاحاديث من السنة النبوية
في كتاب التوحيد في البخاري باب قوله " لم خلقت بيدي " اخرج احاديث منها
-عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يد الله ملأى لا
يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات
والأرض فإنه لم يغض ما في يده وقال عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان
يخفض ويرفع "
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك"
عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله
أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يمسك
السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع
والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى بدت نواجذه ثم قرأ
{ وما قدروا الله حق قدره }
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث زهير قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا "
وعن عبد الله بن عمرو : « قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش ، والقلم ، وآدم ، وجنة عدن ، ثم قال لسائر الخلق : كن ، فكان» " الالباني صحيح على شرط مسلم 53
وقال الذهبي اسناده جيد – العلو
قال محمد خليل الهراس في شرحه على الواسطية لابن تيمية "فتخصيص هذه الثلاثة بالذكر مع مشاركتها لبقية المخلوقات في وقوعها بالقدرة دال على اختصاصها بأمر زائد .
وأيضا ؛ فلفظ اليدين بالتثنية لم يعرف استعماله إلا في اليد الحقيقية ، ولم
يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة ؛ فإنه لا يسوغ أن يقال : خلقه الله
بقدرتين أو بنعمتين ، على أنه لا يجوز إطلاق اليدين بمعنى النعمة أو القدرة
أو غيرهما إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة ، ولذلك لا يقال : للريح
يد ، ولا للماء يد . "
وفي البخارى
عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة .... " الى أن قال " فيشفع
النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من
النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء
الحياة .."
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحَّاء الليل والنهار » بخاري 7411
لا يغيضها : أي لا ينقصها ، من غاض الماء إذا ذهب في الأرض .
سحاء : السح : الصب الدائم ، أي : دائمة العطاء .
قال محمد عبد الوهاب في اصول الايمان " ويدل الحديث - مع إثباته صفة اليمين لله - على زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء ."
وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "
قال احتج آدم وموسى فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة قال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك... " بخاري 6124 ومسلم4793 وفي رواية ابي داود " وخط لك التوارة بيده "
وفي حديث أبي هريرة مرفوعا " فيقول بعض الناس أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه " متفق عليه وهذا لفظ البخاري
–قال مسلم و حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقولا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصدق أحد بصدقة من
طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو
في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله "
اقوال أهل السنة والجماعة
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 10-506 " قد فسر
علماء السلف المهم من الالفاظ وغير المهم وما أبقوا ممكنا وآيات الصفات
وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا وهي أهم الدين فلو كان تأويلها سائغا
أو حتما لبادروا اليه فعلم قطعا ان قرائتها وامرارها على ما جاءت هو الحق
لا تفسير لها غير ذلك فنؤمن بذلك ونسكت كما بالسلف معتقدين انها صفات لله
تعالى استأثر الله بعلم حقائقها وأنها لا تشبه صفات المخلوقين فالكتاب
والسنة نطق بها والرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ وما تعرض لتأويل مع كون
الباري قال " لتُبيّن للناس ما نُزّل إليهم" النحل 44
فعلينا الايمان والتسليم للنصوص والله يهدي من يشاء الى صرط مستقيم "
قال موفق الدين عبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي
" والذي درج عليه السلف في الصفات هو الاقرار والاثبات لما ورد من صفات
الله تعالى في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض
لتأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله "
لمعة الاعتقاد ص 22
وقال ابو العباس ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 3-347"
التفاسير الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان تبين أنهم
إنما كانوا يفهمون منها الإثبات بل والنقول المتواترة المستفيضة عن الصحابة
والتابعين في غير التفسير موافقة للإثبات ولم ينقل عن أحد من الصحابة
والتابعين حرف واحد يوافق قول النفاة ومن تدبر الكتب المصنفة في آثار
الصحابة والتابعين بل المصنفة في السنة من : كتاب السنة والرد على الجهمية
للأثرم ولعبد الله بن أحمد و عثمان بن سعيد الدارمي و محمد بن إسماعيل
البخاري و أبي داود السجستاني و عبد الله بن محمد الجعفي و الحكم بن معبد
الخزاعي و حشيش بن أصرم النسائي و حرب بن قاسم الكرماني و أبي بكر الخلال و
محمد بن إسحاق بن خزيمة و أبي القاسم الطبراني و أبي الشيخ الأصبهاني و
أبي أحمد العسال و أبي نعيم الأصبهاني و أبي الحسن الدارقطني و أبي حفص بن
شاهين و محمد بن إسحاق بن منده و أبي عبد الله بن بطه و أبي عمر الطلمنكي و
أبي ذر الهروي و أبي محمد الخلال و البيهقي و أبي عثمان الصابوني و أبي
نصر السجزي و أبي عمر بن عبد البر و أبي القاسم اللالكائي و أبي إسماعيل
الأنصاري و أبي القاسم التيمي
وأضعاف هؤلاء رأى في ذلك من الآثار الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين
ما يعلم منه بالاضطرار أن الصحابة والتابعين كانوا يقولون بما يوافق مقتضى
هذه النصوص ومدلولها وأنهم كانوا على قول أهل الإثبات المثبتين لعلو الله
نفسه على خلقه المثبتين لرؤيته القائلين بأن القرآن كلامه ليس بمخلوق بائن
عنه
وهذا يصير دليلا من وجهين : أحدهما من جهة إجماع السلف فإنهم يمتنع أن يجمعوا في الفروع على الخطأ فكيف في الأصول
الثاني : من جهة أنهم كانوا يقولون بما يوافق مدلول النصوص ومفهومها لا يفهمون منها ما يناقض ذلك "
انظر الاثار الواردة عن أئمة السنة في ابواب الاعتقاد من كتاب سير اعلام النبلاء ص 202-226 والفصول التي بعدها
قال شيخ الاسلام في جوابه عن سؤال احد قضاة واسط أن يكتب له عقيدة تكون عمدة له وأهل بيته عرفت فيما بعد ب -العقيدة الواسطية-
" فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة - أهل السنة
والجماعة - وهو : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت
والإيمان بالقدر : خيره وشره . ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به
نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف
ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل يؤمنون بأن الله سبحانه : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
. فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في
أسماء الله وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لا
سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه - سبحانه وتعالى - فإنه
سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه ثم رسله صادقون
مصدوقون ؛ بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ولهذا قال سبحانه وتعالى :
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه
من النقص والعيب وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي
والإثبات فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون ؛ فإنه الصراط
المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم : من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين..." ثم ساق الادلة التي سقنا
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية 52 وما بعدها" وإن
كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص
المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع؛ فإن الله لما أخبر أنه
بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على
أن هذا على ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد : كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا
الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا، وكذلك لما اتفقوا على أنه حي
حقيقة، عالم حقيقة، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي
عليم قدير، فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ المائدة : 119 ] وقوله : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }
[ الأعراف : 54 ] . أنه على ظاهره، لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء
كاستواء المخلوق، ولا حبًا كحبه، ولا رضًا كرضاه، فإن كان المستمع يظن أن
ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين؛ لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادًا
وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا
الظاهر، ونفي أن يكون مرادا؛ إلا بدليل يدل على النفي، وليس في العقل ولا
السمع ما ينفي هذا، إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات فيكون الكلام في
الجميع واحدا . وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض
لنا كالوجه واليد، ومنها ما هو معان وأعراض وهي قائمة بنا، كالسمع والبصر
والكلام والعلم والقدرة . ثم أن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي
عليم قدير : لم يقل المسلمون أن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه
مثل مفهومه في حقنا، فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه، لم يوجب ذلك
أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا بل صفة
الموصوف تناسبه . فإذاكانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته
كذاته ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق
إليه، وليس المنسوب كالمنسوب ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه، كما قال صلى
الله عليه وسلم " ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر " فشبه الرؤية بالرؤية،
ولم يشبه المرئي بالمرئي . وهذا يتبين .
وهو أن كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير منها، أو أكثرها أو
كلها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه
فيقع في أربعة أنواع من المحاذير :
أحدها : كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل .
الثاني : أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله بقيت
النصوص معطلة، عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله . فيبقى مع
جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله . حيث ظن أن الذي
يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل . قد عطل ما أودع الله ورسوله في
كلامهما من إثبات الصفات لله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى .
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلا لما يستحقه الرب .
الرابع : أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات
الأموات والجمادات أو صفات المعدومات، فيكون قد عطل به صفات الكمال التي
يستحقها الرب، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من
الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات . فيجمع في كلام الله، وفي
الله بين التعطيل والتمثيل؛ يكون ملحدًا في أسماء الله وآياته ..."
وقال ابن القيم الجوزية في إجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية 63"
ذكر قول عبد اللّه بن الزبير الحميدي رحمه اللّه تعالى أحد شيوخ النبل شيخ
البخاري إمام أهل الحديث والفقه في وقته، وهو أول رجل افتتح به البخاري
صحيحه، فقال: وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: " وقالَتِ اليَهُودُ يدُ اللَّه مَغْلُولةً غلّت أيْديهم ولُعِنُوا بما قَالُوا بَلْ يَدَاه مَبْسُوطتان " سورة المائدة آية 64. ومثل قوله تعالى: " والسّمواتُ مَطْوياتٌ بيَمينه " سورة الزمر آية 67. وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: " الرحمنُ على العرش استوى
" ، ومن زعم غير هذا فهوِ مُبْطِلٌ جهميٌّ . وليس مقصود السلف بأن من أنكر
لفظ القرآن يكون جهمياً مبتدعاً، فإنه يكون كافراً زنديقاً. وإنما مقصودهم
من أنكر معناه وحقيقته. "
قال ابو زيد القيرواني رحمه الله في كتابه الجامع في السنن و الآداب و المغازي والتاريخ ص 107:فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ...... و أن يديه مبسوطتان والأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه
و في "الإقناع في مسائل الإجماع" للعلامة الحافظ علي بن محمد بن عبدالملك الفاسي المكنى بأبي الحسن ويلقب بابن القطان :89 وأجمعوا أن لله يدين مبسوطتين
وأجمعوا انالأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن تكون جوارح.
قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني في منظومته الحائية :
وَقَـدْ يُنكِـرُ الجَهْمِيُّ أَيضًا يَمِيْنَـهُ * وَكِلْتَا يَدَيْـهِبالفواضِـلِ تَنْضَـحُ.
بعد ان اتم الآجري القصيدة نقلا عن أبي بكر قال : ثمقال لنا أبو بكر ابن
أبي داود: هذا قولي، وقول أبي، وقول أحمد بن حنبل، وقول منأدركنا من أهل
العلم ومن لم ندرك ممّن بلغنا عنه. فمن قال علي غير هذا فقدكذب.
وقال ابن شاهين: قال أبو بكر ابن أبي داود رحمه
الله: هذا قولي، وقول أبي،وقول أحمد بن حنبل رحمه الله، وقول من أدركنا من
أهل العلم وقول ممن لم ندرك ممنبلغنا قوله. فمن قال علي غير هذا فقد كذب.
وقال ابن البناء: قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني: هذا مذهب أحمد بن حنبل ومذهبي ومذهب أبي رحمهم الله وإيانا.
وقال ابن أبي يعلى: قال ابن بطة: قال أبو بكر بن
أبي داود: هذا قولي،وقول أبي، وقول أحمد بن حنبل، وقول من أدركنا من أهل
العلم، ومن لم ندرك ممن بلغناعنه، فمن قال غير هذا فقد كذب.
قال الإمام أبو حنيفة: لا يوصف الله تعالى بصفات
المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة
والجماعة،وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه. ونصفه كما
وصف نفسه أحد صمد لميلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير
عالم، يد الله فوق أيديهم،ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه. ص56
قال الإمام أبوحنيفة: وله يد ووجه ونفس كما ذكره
الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى فيالقرآن، من ذكر الوجه واليد
والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته أونعمته؛ لأن فيه
إبطالَ الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال… الفقه الأكبر ص302
قال الذهبي في السير في ترجمة أبو بكر الإسماعيلي الإمام الحافظ الحجة
(ولد سنة 277 هــ) : أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن الفراء ، أخبرنا
الشيخ موفق الدين عبدالله ، أخبرنا مسعود بن عبد الواحد ، أخبرنا صاعد بن
سيار ، أخبرنا علي ابن محمدالجرجاني ، أخبرنا حمزة بن يوسف ، أخبرنا أبو
بكر الإسماعيلي ، قال : اعلموا - رحمكم الله - أن مذاهب أهل الحديث الإقرار
بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وقبول مانطق به كتاب الله ، وما صحت به
الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا معدلعن ذلك . ويعتقدون بأن
الله مدعو بأسمائه الحسنى ، وموصوف بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه بها
نبيه ، خلق آدم بيديه ، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف ، واستوى علىالعرش
بلا كيف ، وذكر سائر الاعتقاد . اهــ
و قال في ترجمة أبي ذَرّ الهَرَوِيّ (ولد سنة 356 هــ) :
هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنةوطريقة الحديث بالجدل والبرهان ،
وبالحضرة رءوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوانالبدع ، ولهم دولة وظهور
بالدولة البويهية ، وكان يرد على الكرامية ، وينصرالحنابلة عليهم ، وبينه
وبين أهل الحديث عامر ، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة ، فلهذا عامله
الدارقطني بالاحترام ، وقد ألف كتابا سماه : "الإبانة" ، يقولفيه : فإن
قيل : فما الدليل على أن لله وجها ويدا ؟ قال : قوله : وَيَبْقَى
وَجْهُرَبِّكَ وقوله : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ فأثبت - تعالى - لنفسه وجها ويدا ... إلى أن قال: فإن قيل: فهل
تقولون: إنه في كل مكان ؟قيل : معاذ الله ! بل هو مستوٍ على عرشه كما أخبر
في كتابه اهــ
و قال في ترجمة الخطيب البغدادي رحمه الله (ولد سنة 392 هــ)
: أخبرنا أبو علي بن الخلال ،أخبرنا أبو الفضل الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر
السلفي ، أخبرنا محمد بن مرزوقالزعفراني ، حدثنا الحافظ أبو بكر الخطيب
قال : أما الكلام في الصفات ، فإن ما رويمنها في السنن الصحاح ، مذهب السلف
إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفيةوالتشبيه عنها ، وقد نفاها
قوم ، فأبطلوا ما أثبته الله ، وحققها قوم من المثبتين ،فخرجوا في ذلك إلى
ضرب من التشبيه والتكييف ، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطةبين
الأمرين ، ودين الله ءتعالىء بين الغالي فيه والمقصر عنه . والأصل في هذا
أنالكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله ،
فإذا كانمعلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية ،
فكذلك إثباتصفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .
فإذا قلنا : لله يد وسمع وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ، ولا
نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع والبصر العلم ، ولا نقول :
إنها جوارح . ولا نشبهها بالأيدي والأسماعوالأبصار التي هي جوارح وأدوات
للفعل ، ونقول : إنما وجب إثباتها لأن التوقيف وردبها ، ووجب نفي التشبيه
عنها لقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
وأخيرا
الله ليس كمثله شيء
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17-205-206" وقال رسته: سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان: بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبهه.
قال: نعم، نظرنا، فلم نر من خلق الله شيئا أحسن من الإنسان.
فأخذ يتكلم في الصفة والقامة، فقال له: رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في
المخلوق، فإن عجزنا عنه، فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عما حدثني شعبة، عن
الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
[النجم: 18]. قال: رأى جبريل له ست مائة جناح، فبقي الغلام ينظر، فقال:
أنا أهون عليك، صف لي خلقا له ثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث منه موضعا حتى أعلم.
قال: يا أبا سعيد، عجزنا عن صفة المخلوق، فأشهدك أني قد عجزت ورجعت. "- ترجمة عبدالرحمن بن مهدي-
قال ايضا في السير 19-21-22" قال علي بن محمد
بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي، حدثنا المزني، قال: قلت: إن
كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي،
فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة
في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟
فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟
قلت: نعم.
قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون.
أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟
قلت: لا.
قال: هل تكلم فيه الصحابة؟
قلت: لا.
قال: تدري كم نجما في السماء؟
قلت: لا.
قال: فكوكب منها: تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خلق؟
قلت: لا.
قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه، تتكلم في علم خالقه؟!
ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه.
فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض...} الآية [البقرة: 163 و 164] فاستدل بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك.
قال: فتبت."
وقال الذهبي ايضا 21-308" قال حنبل: قال أبو عبد الله: قال برغوث -يعني: يوم المحنة-: يا أمير المؤمنين، هو كافر حلال الدم، اضرب عنقه، ودمه في عنقي.
وقال شعيب كذلك أيضا: تقلد دمي، فلم يلتفت أبو إسحاق إليهما.
وقال أبو عبد الله: لم يكن في القوم أشد تكفيرا لي منهما، وأما ابن سماعة، فقال:
يا أمير المؤمنين، إنه من أهل بيت شرف ولهم قدم، ولعله يصير إلى الذي عليه
أمير المؤمنين، فكأنه رق عندها، وكان إذا كلمني ابن أبي دواد، لم ألتفت إلى
كلامه، وإذا كلمني أبو إسحاق، ألنت له القول.
قال: فقال في اليوم الثالث: أجبني يا أحمد، فإنه بلغني أنك تحب الرئاسة، وذلك لما أوغروا قلبه علي.
وجعل برغوث يقول: قال الجبري: كذا وكذا كلام هو الكفر بالله.
فجعلت أقول: ما أدري ما هذا، إلا أني أعلم أنه أحد صمد لا شبه له ولا عدل، وهو كما وصف نفسه، فسكت."